للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الزكاة بأي نحوٍ كان، وأنه يجوز لهم الظُّلم أيضًا، فما بكرائم الأموال؟ ثُم إنْ صَرَفت النَّظر إلى الأحاديث في العاملين، وجدت أنّهم لا حقَّ لهم في أموالهم الكلايمة، ومَنْ يتعدَّى منهم كان عليه مِثْل وِزْر المانع، فكيف بِمَن ظلم عليهم والوَجْه أنَّ الأحاديثَ في مِثْل هذه تخرَّج على التشديد في الجانبين، لتكون أحفظَ لحدود الله، فيقف كلٌّ منهما على حِدَة، وهذا هو الطريق في جميع أحاديث الوَعْد والوعيد، فإِنها تَرِد مُرسلةً عن القيود والشروط لتكون أرغب، وأهيب. ومَنْ لا يراعيه يَزْعمُ الكلامَ ناقِصًا، ثم يزيد عليه القيودَ مِن قِبَله كالإِصلاح له. وهذا السّلف لم يكونوا يتقدمون إلى مِثْله، بل كانوا يكرهون التأويل (١).

ودونك نظيرًا آخَرَ من باب الصلاة، فقال للرجال: «لا تمنعوا النِّساء حظوظَهن من المساجد» - أو كما قال - كأنه يُرَغِّبهن في الإِتيان إلى الجماعات، فلما خاطبهنَّ قال: «إنَّ صلاةَ إحداكُنَّ في مخدعها خيرٌ من صلاتها في بيتها» - أو كما قال. فذكر أنَّ أفضل صلاتهن ما كانت أخفى عن الأعين.

وخُذ نظيرًا ثالثًا من باب إطاعة الأمير، فإِنه لما خاطب النَّاس أمرهم بإِطاعةِ الأمراء، وإنْ أُمِّر عليهم عَبْدٌ حبشيٌّ، مجدع الأطراف، إلا أن يروا كُفْرًا بواحًا. ثُم لما انصرف إلى الأُمراء، وَعَدهم بالنَّار، حتى خِيف عليهم أن لا يَنْجوا منها رأسًا برأس.

وهاك نظيرًا آخَر تكميلًا للأربعة: ما جاء في التشديد في السؤال، فإِنه قال للناس: إنَّ للسائل حقًا ولو جاء راكبًا على فرس، ولما تَوجَّه على السائلين جعل سؤالهم خموشًا، أو خدوشًا، أو كدوحًا في وجهه (٢).

وإذا أَتْقَنت تلك النظائر من الشَّارع: فاعلم أنَّ الأحاديث في أَمْر النكاح أيضًا


(١) أخرج الترمذي في أبواب البر والصلة، في باب ما جاء في رحمةِ الصبيان: قال عليٌّ بن المَدِيني: قال يحيى بنُ سَعيد: كان سفيان الثوريُّ يُنْكِرُ هذا التفسيرَ: ليس منا، ليس مِثْلنا. وقال النووي: وكان سفيانُ بن عيينةَ يكره قولَ مَنْ يفسر: ليس على هَدْينا، ويقول: بئس هذا القول، يعني بل يُمسك عن تأويله ليكون أوقعَ في النفوس، وأبلغ في الزَّجْر.
(٢) قلتُ: وخُذ مني علاوة، وعد هذا طارفًا مع تليدك: ما عند الترمذي في حق الزوج على المرأة، فإِن الأحاديث
بلغت فيه إلى الوعيد بالنار، ولما التفتَ الشارع على الأزواج، قال لهم: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا،
وخيارُكم خيارُكم لأهله". ومَنْ أراد الزيادةَ عليه لم يتعب نفسه، فإن المجال واسع، ونحوه قوله - صلى الله عليه وسلم - النهي عن
الصلاة في الأوقات المكروهة، مع قوله عند الترمذي في "كتاب الحج": "يا بني عبد مناف لا تَمْنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلّى أيةَ ساعة شاء من ليل أو نهار"، فإِن هذا الحديث مخالفٌ للحنفية، ولم أر جوابه أحسنَ مما قرره الحافظ فضل الله التوربشتي الحنفي في شرحه على "المصابيح" فراجعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>