(٢) واعلم أن الكلام في حجج الحنفيةِ، وأجوبة الخصوم طويل جدًا، لا يليق بهذه الحاشية، غير أني أشير إلى نبذة مما ذكره العلامة المارديني، قال: وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تُنْكح البكْر حتى تُستأذن"، دليلٌ على أنَّ البِكْر البالغ لا يجبرها أبوها ولا غيرُه. قال شارح "العمدة": وهو مذهبُ أبيَ حنيفة، وتمسُّكه بالحديث قويَ، لأنه أقربُ إلى العموم في لفظ البِكر، وربما يزادُ على ذلك بأن يُقال: الاستئذانُ إنما يكون في حَقِّ مَنْ له إذنٌ، ولا إذن للصغيرةِ، فلا تكون داخلةٌ تحت الإِرادة، ويختصُّ الحديثُ بالبالغين، فيكون أقربَ إلى التناولِ. وقال ابنُ المُنْذرِ: وهو قولٌ عامّ - أي الحديث المذكور -، وكل مَنْ عقد على خلافِ ما شرع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو باطل. اهـ؛ وقوله عليه السلام في حديث ابن عباس: "والبكر يستأذنها أبوها"، صريحٌ في أن الأب لا يجبر البِكْر البالغ، فترك الشافعيُّ منطوقَ هذه الأدلةِ، واستدل بمفهوم الحديث: "الثيبُ أحقّ بنفسها"؛ وقال: هذا يدلُّ على أن البِكْر بخلافها. وقال ابنُ رُشْد: العمومُ أوْلى من المفهوم بلا خلاف، لا سيما في حديث مُسْلم: "البِكْر يستأمِرُها أبوها"، وهو نصٌ في موضع الخلاف. وقال ابنُ حَزْم: ما نعلم لمن أجَاب على البكْر البالغةِ، إنكاح أبيها لها بغير أَمْرِها، متعلّقا أصْلًا. وذهب ابنُ جرير أيضًا إلى أن البكْر البالغة لا تُجْبر. وأَجاب عن حديث: "الأيِّم أحق بنفسها"، بأنَّ الأيِّم مَنْ لا زوج له، رجلًا أو امرأة، بِكْرًا أو ثيبًا، لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: ٣٢] وكرّر ذِكْر البكر بقوله: "والبكر تستأذن، وإذْنها صِماتها"، للفَرْق بين الإِذنين؛ إذْن الثيّب، وإذن البكر. =