للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل. وذكر الزمخشري معناه على وَفق أَبي حنيفة، وقال: ليس في اللغة إلا هذا المعنى. ومن المعلوم أن الزمخشري أحذقُ من صاحب «القاموس»، لأنه إمام اللغة.

أقول: إن أصل معنى الخمر لغةً ما قال أبو حنيفة، ولكنه مُستعملٌ في معنى الحجازيين أيضًا، والمعنيان على الحقيقة، ويمكن للجمهور أن يقول: إن الشارع لما ذكر حُكم ما زعمتموه خمرًا، وحُكمَ غيره واحدًا، فأي اعتراض؟ ونظير استعمال الخمر في المعنيين لفظ «كل» في الفارسية - معناه "بهول كلاب" - إذا استعمل مطلقًا، وإذا استعمل مقيدًا فالاعتبار للقيد نحو (كل نركس)، أو غيره، والاستعمالان حقيقيان. هذا ما بدا لي في شواهد أبي حنيفة من اللغة، قال المتنبي:

* .................. فإن في الخمر معنى ليس في العنب

وقال أبو الأسود الدُّؤلي أستاذ الحسنين:

* دع (١) الخمرَ يشربها الغُواة، فإِنني ... أخذتُ أخاها، مغنيًا بمكانها

* فإِنْ لم تَكُنْه، أو يَكُنْها، فإِنه ... أخُوْها، غذتْه أمه بلِبَانِها

ويقول شاعر آخر متدين:

*وإني لأكرهَ تشديدَ الرواةِ لنا ... فيه، ويعجبني قول ابن مسعود

قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول، مغيِّرًا عبارتهم، لا غرضهم: ولعل ذلك يجدي شيئًا، قالوا: إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله، على قصد التقوّي على العبادة، ويحرُم على قصد التلهي، وأقول مغيرًا عبارتهم: إن ما سوى الأربعة حرام، إلا قدرَ قليل، بقصد التقوّي على العبادة، والفرقُ أن عبارتَهم تُشعر أنَّ الأصلَ الإِباحة، والحرمةَ بعارض التَّلهي، وعلى ما قلت، تُشعر بأن الأصلَ الحُرمة، وإنما الحلالُ قدر قليل بقصد التقوّي على العبادة، فإِذن يكون التقوِّي مثل التداوي، فيُحوَّلُ الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفةً لأبي حنيفة.

وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرامٌ إلا عند الاضطرار، فيكون التقوي على العبادة مخصوصًا، ومستثنى، ونطالب دليلَ التخصيص، فسأبينه، فيكون جميع أحاديث «المسكر حرامٌ» على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرامٌ، وفي كتب الحنفية أنَّ شُربَ الماء على حكاية شُرب الخمر حرام، ووجدتُ لقولهم هذا دليلًا، قول أبي هريرة مثل قولنا في «مدخل ابن الحَاج المالكي».


(١) قال العلامة المارديني: جعل أبو الأسود الطِّلاء أخًا للخمر، وأخو الشيء غيره، وأراد إنهما معًا من الكَرْم اهـ: ص ١٨٩ - ج ٢. الجوهر النقي، قلت: تمسك به المارديني على نفي اسم الخمر عن الطِّلاء (من الجامع).

<<  <  ج: ص:  >  >>