للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صدَّرَها: بمن كره ... إلخ. أو يقال: إنه أشار إلى الفرق بين الوطء، والجلوس، فإن في الدوس والوطء امتهانًا لها، فتجوز، بخلاف الجلوس عليها، فإنَّه أخف من الوطء، فلا تجوز أو يقال: إنهما واقعتان، إلا أنه بعيدٌ، لأنه يُستبعد كلَّ البعدِ أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّم كره أمرًا أشد الكراهة، ثم كانت عائشة عادت إلى مثلها، فلا بد أن تكون هاتان واقعةٌ واحدة.

قلتُ: إن المصنف، وإن لم يتضح له سبيل التوفيق، لكني أقول: إن عائشة لما قالت له: «إني اشتريتها لتجلس عليها»، انتقل النبيُّ صلى الله عليه وسلّم من مؤلة التصاوير إلى مسألة عمر التصوير، وذلك لأنه لو سكت عليه لجاز أن يَتوهم أحدٌ أن تلك التصاوير إذا كانت جائزة، فلعله يجوز عملها أيضًا، ولا ريب أنه ينبغي للنبيِّ أن يزيح مثل هذه الأوهام، لئلا تفضي إلى الأغلاط، فنبَّه على أن تلك التصاوير وإن جازت لامتهانها، لكنَّ عملَها حرام، كما إذا لم تكن مُمتنهة.

ألا ترى إلى قوله: «إن أصحاب هذه الصور» ... إلخ، فلم يقل في التصاوير شيئًا، ولكنه ذكر الوعيدَ فيمن صورها. أما قوله: «وأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصور»، فليس حكمًا على تلك التصاوير المعينة، بل حكمًا على جنسها، وإن لم يتحقق في هذا الفرد.

ثم إنك قد علمت أنَّ في المسألة عندنا تفصيلًا، ويُشعر به كلام محمد، ويُشير إلى بعض هذه التفاصيل ما عند النسائي في باب التصاوير عن أبي هريرة، قال: «استأذن جبريل عليه السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فقال: أدخل، فقال: كيف أدخل وفي بيتك سِترٌ، وفيه تصاوير، فإِما أن تقطع رأسها، أو تجعل بساطًا يوطأ» اهـ. ففيه دليل على أن التصاوير إذا قطعت رءُوسها، فصارت كهيئة الشجرة، أو جعلت فراشًا توطأ، لا بأس بها، وإن كان حديث البخاري يُوهم الإِطلاق في عدم الجواز، وقد ذكرنا وجهه.

٥٩٥٨ - قوله: (إلا رقمًا في ثوب)، وظاهره أنَّ التصاوير إذا كانت منقوشةً جازت، وأن لا يكون الحرام منها، إلا المجسمة مع أنه ليس كذلك، فلا بد من جمع سائر قطعات الحديث في هذا الباب لتتم المسألة، والاقتصار على بعض دون بعض قصورٌ. وعند النسائي: أن جبرئيل عليه السلام كان واعد النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بالزيارة، فلم يأته على الموعد، فاعتذر عنه، وقال: إنه كان في البيت جرو كلب، فأمر بإِخراجه، ثم أمر برش الماء على موضعه واعتبر المالكية هذا الرش مسألة في سائر النجاسات المشكوكة، فالحكم عندهم فيها أنه يرش عليها، وإذا كانت متيقنة غسلت، خلافًا لسائر الأئمة، وفيها رواية في التصوير أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>