وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. أطرافه ٣٦٨٨، ٦١٧١، ٧١٥٣ - تحفة ١٤٠٤، ١٢٦٨
٦١٥٩ - قوله:(رَأَى رَجُلًا يسوقُ بَدَنَةً)، إن كان هذا التعبيرُ محفوظًا، ففيه إيماءٌ إلى أن البَدَنَةَ صارت عندهم عُرْفًا للهَدْي. فكانوا يقولونها في الهَدْي، إبلًا كان، أو بقرةً، وإن كانت البَدَنَةُ تختصُّ بالإِبل عند أهل اللغة. وحينئذٍ يَسَعُ الحنفية أن يقولوا: إنه كان يُسْتَعْمَلُ فيما بينهم في الهَدْي مطلقًا، وإن كان مخصوصًا بالإِبل لغةً.
٦١٦٣ - قوله:(فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لي، فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: لَا) ... إلخ، فيه عملٌ بالتكوين، أي لمَّا قدَّر اللهُ سبحانه أن يكونَ من ضِئْضِيء هذا الرجلِ قومٌ، ذكر أوصافَهم في الحديث، أَعْرَضَ عن قتله، وإن كان التشريعُ فيه القتلَ، وهذا لا يَسُوغُ إلَّا للنبيِّ خاصةً، فإنه يُكَلَّم من رواء حِجَابٍ، ويطَّلِعُ التكوينَ من غير ارتيابٍ.
ثم في الروايات أنه أمر بقتله أيضًا، وهذا على التشريع، فطلبوه، فلم يجِدُوه. وإنَّما أمر بالقتل، مع عِلمه أن قومًا يَخْرُجُون من نَسْلِهِ، لأنَّه عَلِمَ أنه إن قدَّر اللهُ سبحانه خروجَهم، لا يَصُدُّ عن تقديره أمرٌ، فلا يتمكَّنون من قتله. وهكذا وقع، فإنَّهم طلبوه ليقتلوه، فلم يَجِدُوه. أو حُمِلَ التكوينُ على أن القومَ المَوْصُوفُون يَخْرُجُون من رجلٍ يُضَاهِيهِ في الصفات، لا هذا الرجل خاصةً.
٦١٦٦ - قوله:(لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا) ... إلخ، وهذا عندي على التشبيه، وإن لم يسلِّمه النحاةُ. وذلك لأنَّ قتالَ المسلم كفرٌ بنصِّ الحديث، والقتالُ ثمرةٌ لاختلاف الأديان، فإنَّ المسلمُ لا يَقْتُلُ إلَّا الكافرَ، والكافرُ لا يَقْتُلُ إلَّا المسلمَ. فإذا ضرب المسلمُ رقبةَ أخيه، فقد فعل فِعْلًا يَفْعَلُه الكفرةُ، فَلَحِقَ بهم بهذا التشبيه.
٦١٦٧ - قوله:(إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) واعلم أنَّ رُبُطَ المحبة لا بدَّ أن يَجُرَّ صاحبَها إلى من يُحِبُّه. أمَّا أن يُقْعِدُه مَقْعَدَ من يُحِبُّه، فذلك غيرُ لازمٍ، فالمعيةُ أمرٌ وسيعٌ. نعم قوله: «أنا، وكافلُ اليتيم هكذا، يُشْعِرُ بها فوق ما قلنا، ويُومِيءُ بمزيد القُرْبِ. وذلك لأنَّه أراد بيانَ منزلة كافل اليتيم منه، فأتى بألفاظٍ زائدةٍ تَدُلُّ عليها. والمعيَّةُ لا تَدُلُّ إلَّا على الشَّرِكَةِ مطلقًا.
قوله:(إِنْ أُخِّرَا هَذا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ، حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) قال الصدرُ الشِّيرَازِيّ: إنَّ الساعةَ ساعةٌ صغرى، وهي بموته. وساعةٌ وسطى، وهي بموت أقرانه. وساعةٌ كبرى، وهي من نفخ الصور. والمرادُ ههنا الصغرى، أو الوسطى. والمعنى: ما لكم وللساعة الكبرى، وإن ساعتُكم التي آتيةٌ عليكم هي بموت أقارنكم. ويُؤَيِّدُه ما عند البخاريِّ في باب سكرات الموت:«لا يُدْرِكُهُ الموتَ حتَّى تقومَ عليكم ساعتُكم». قال هشام: يعني موتهم، ففيه بيانُ أن المرادَ من الساعة الساعةُ الوسطى.