وأراد بالمرأة في حديث التَّوَضُّؤ من كانت في بيته، ولم يقل في المرأتين شيئًا، لأنهن يَفْعَلْنَ ما هو عادتهنَّ.
والحاصل: أن الأقسام ستة فَضْل الرجل للمرأة، وبالعكس. وفَضْل الجنس للجنس، وكلٌّ منه إمَّا في الوُضِوء، أو الغسْل. والأحاديث وَرَدَت في الأربعة منها، وإن علَّل المحدِّثون واحدًا منها كما مرَّ، ولم يَرِد في الاثنين لِمَا بيَّنَّا. وجملة الكلام أن الحديث لا دَخْل فيه للوَسَاوِس الشهوانية، بل وَرَدَ على طبائع الناس في السُّؤْر، فالنَّهي فيه كأمر الغُسْل بِغَسْل الميت، والوُضُوء بحَمْلِه، والمراد بالفَضْل: هو الباقي في الآنية، لا كما قاله الخطَّابي، وتَبَعِه الحافظ رحمه الله تعالى.
قوله:(بالحميم) ... إلخ، ويُتَبَادَرُ من ظاهر عبارته أنهما واقعتان: الأولى في استعمال الحَميم، والثانية في استعمال ماء النصرانية، مع أنها واقعةٌ واحدةٌ في مكة حين جاء للحج، فقضى حاجته، ثم طلب الماء وتوضأ بالحَمِيم من بيت نصرانية. والظاهر أن الماء إذا كان من بيتها، أنها غَمَسَت فيه يدها أيضًا، ولعلَّه كان من سُؤْرها، ومع ذلك توضّأ ابن عمر منه، فَثَبَتَ أن وُضُوء الرجل بفَضْل المرأة لابأس به. وهذا من عادات البخاري حيث يعتبر الاحتمالات القريبة، لأنَّه لمّا شدَّد على نفسه في باب الحديث، وأراد أن يخرِّج المسائل، ويَبْسُط فقهه في تراجمه، فلزمه أن يوسِّع في الإِشارات وطُرُق الاستدلال.
١٩٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيعًا. تحفة ٨٣٥٠
١٩٣ - قوله:(جميعًا) قال السِّيرافي: إنه يُسْتَعمل بمعنى كلّهم، وبمعنى معًا، والأول يدلّ على الاستغراق، والثاني على المَعِيَّة الزمانية وتفصيله: أن هذا اللفظ قد يُسَتْعْمَل للاستغراق وإحاطة الأفراد مع قطع النظر عن الاجتماع، وقد يُسْتَعْمَل للثاني، أي بمعنى الاجتماع والمَعِيَّة، وهو المناسب ههنا، فإن التعرُّض إلى اغتسال الرجال والنساء مطلقًا ليس بأهم، وإنما المفيد بيانُ اغتسالهما معًا. ثم أقول: والشيء بالشيء يُذْكَر، أن إمامنا رحمه الله تعالى ذهب إلى مقارنة المقتدي مع الإِمام في حميع أفعال الصلاة، واختاره صاحباه أيضًا، إلا في التحريمة والتسليم، والشافعي رحمه الله تعالى ذهب إلى التعقيب في جملة أفعالها غير آمين، وتمسَّك من أحاديث الائتمام، وفيها الفاء:«إذا كبر فكبروا ... » إلخ، وهي للتَّعقِيب عندهم، فَلزمَ التَّعْقِيب في جميع الأفعال كما أراد.
قلت: وفي «شرح التسهيل»: أن في الفاء الجَزَائية قولان: التَّعْقِيب، والمقارنة، وحينئذٍ صحَّت الفاء على مذهبنا أيضًا، فلا تنافيها المقارنة الزمانية، فهي للتَّعْقِيب ذاتًا، والمقارنة زمانًا عندي.
ولا بُدَّ أن يكون بين أفعال الإِمام والمأموم تقدُّمًا وتأخُّرًا ذاتًا، وإنما أراد الإِمام من المقارنة أن يدخل المقتدي في الرُّكن حين يدخل الإِمام، ولا ينتظر بلوغه فيه، فَيْركع حين