رضي الله عنه. نعم، ظاهر البخاري خلافه، إلاّ أني جَمَعْتُ بينهما بأنه اقتدى من حُجْرَته، ولم يَخْرُج إلى المسجد.
فهذه أربع صلوات دخل فيها النبي صلى الله عليه وسلّم بعد غَيْبُوبته عن المسجد، ولم أَجِد شَرَكَته في العصر في يوم، وكذا لم أَجِد الترتيب في تلك الصَّلاة. وأقرَّ الترمذي أنه صلّى في مرض وفاته ثلاث صلوات، وزِدْتُ عليه رابعة، وهي المغرب.
وفي العَيْنِي: أنه ذهب جماعةٌ إلى القول بتعدّد الصلوات حتى نُقِل عن الضِّيَاء، وابن ناصر، وابن حِبَّان: أنَّ من أنكر تعدّد خروجه صلى الله عليه وسلّم إلى الصَّلاة، فإِنَّه جاهلٌ عن الحديث.
ثم اعلم أني بالغت في هذا التفتيش، لأنه يُفِيدُنا في مسألةِ القراءةِ خلفَ الإِمام، لأنه ثَبَتَ عند الطَّحَاوي خروجُه في صلاة جَهْرِيَّة، وأخذ القراءةَ من حيث تَركَها أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وحينئذٍ لا بُدَّ أن تَفُوتَه الفاتحة، كلُّها أَو بعضُها، فلو كانت رُكْنًا لَزم أن لا تتِمّ صلاته صلى الله عليه وسلّم والعياذ بالله، فهذه آخره صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلّم كانت مُسْتَدَلًا للحنفية، ولم يَشْعُر به أحدٌ منهم غير ابن سيِّد الناس في «شرح الترمذي»، إلاّ أنه لم يُجِب عنه.
وعَرَضَ للحافظ رحمه الله تعالى إشكالٌ آخر، وهو: أنَّ الصَّلاة التي خَرَج إليها النبيّ صلى الله عليه وسلّم هي الظُّهْر عنده، فكيف أخذَ القراءةَ من حيث تَرَكَها أبو بكرَ رضِي الله تعالى عنه؟ فالتزم أنَّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه لعلّه جَهَر بآيةٍ منها. وأمَّا على ما اخْتَرْتُ، فلا حاجة إلى هذا التأويل، فإِنه ثَبَتَ خروجُه إلى العشاء أيضًا، وهي جَهْرِيَّة.
ولفظ الطَّحَاوِي في قصة مرض موته:«وجَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من نفسه خِفَّةً، فخرج يُهَادَى بين رجلين، فلمَّا أحسَّ أبو بكر، سَّبحوا به، فذهب أبو بكر يتأخَّر، فأشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مكانك، فاسْتَتَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة»، ورواه ابن ماجه، والدَّارقّطِنيِّ، وأحمد في «مسنده»، وابن الجَارُود في «المُنْتَقى»، وأبو يَعْلَى في «مسنده»، والطَّبَرِي في «تاريخه»، وابن سعد في «الطبقات»، والبَزَّار في «مسنده».
وإذ قد عَلِمْتَ أنَّه خَرَج في أربع صلواتٍ، منها الفجر والمغرب، أَمْكَن لنا أَنْ نقول: إنَّ ما عند الطَّحَاوِي قصةٌ في إحدى هاتين الصَّلاتين، وأخذ فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم القراءةُ من حيث تركها أبو بكر رَضِي الله تعالى عنه، ولم يُدْرِك الفاتحةَ كلَّها أو بعضَها، ثم صحَّت صلاته، وحُسِبَت قراءة أبي بكر رَضِيَ الله تعالى عنه عن قراءته، فلو كانت الفاتحة ركنًا لا تصحَّ الصَّلاة بدونها، فأين ذَهَبْتَ من صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم هذه؟ وقد بَسَطْتُ فيه الكلام في رسالتي بالفارسية المسماة ب «خاتمة الخطاب في فاتحة الكتاب».
ومرَّ الحافظ على رواية ابن ماجه هذه - وهي عند الطَّحَاوي أيضًا - فَحَكَمَ عليها بالحُسْن، وحَكَمْتُ عليها بالصحة، وعَزَوْتُها إلى الحافظ رحمه الله تعالى، فاعترض عليَّ بعضُ المُدَّعِين بالعمل بالحديث: أنه خلافُ الواقع، فإن الحافظ رحمه الله تعالى لم يَحْكُم عليه بالصحة، فأَجَبْتُ له: أن الحافظ رحمه الله تعالى مرَّ عليها في موضعين، فحكم بالحُسْنِ في المجلد الثاني، وبالصحة في المجلد السادس.