قلتُ: ولعلَّ الشيخَ أراد هذه الشبهة، فإنَّ ثبوتَ النسب مع عدم الوطء ممكنٌ في بعض الصور، عند الحنفية. وقد استبعده بعضهم، مع قيام البَكَارَةِ. فإذا جوَّزه الحافظ ههنا بدخول الماء بدون جِمَاعٍ في الفرج، فهكذا فليجوِّزه في الباكرة، فلينظر. (٢) قلتُ: ولعلَّ هذا الجوابَ يؤوَّلُ إلى ما أجاب به الطحاويُّ، كما في "الفتح". قال الطحاويُّ: إنَّ المستفادَ من قول عمر: "الرجمُ حقٌّ على من زنى"، أنَّ الحبلَ إذا كان من زنا، وجب فيه الرجمُ، وهو كذلك. ولكن لا بدَّ من ثبوت كونه من زنا، ولا تُرْجَمُ بمجرد الحبل، مع قيام الاحتمال فيه، لأنَّ عمرَ لمَّا أُتِي بالمرأة الحبلى -إشارةً إلى قضية أخرى ذكرها الحافظُ- وقالوا: إنَّها زنت، وهي تبكي. فسألها ما يُبْكيِكِ؟ فأخبرت أن رجلًا رَكِبَهَا، وهي نائمةٌ فدَرَأَ عنها الحدَّ بذلك اهـ. يريدُ أنَّ فيه دليلًا على أن الحبلَ مطلقًا لا يُوجِبُ الحدّ، بل إذا ثبت كونه من زنا. وأورد عليه الحافظُ، وقال: إنَّه لا يخفى تكلُّفه، فإنَّ عمرَ قَابَلَ الحبلَ بالاعتراف. وقسيمُ الشيء لا يكون قسَمَهُ اهـ. قلت: ورحم اللهُ الحافظَ، حيث لا يَترُكُ الطحاويَّ إلَّا بالتعقُّب عليه فيما وافقه فيه أيضًا، مع أن الطحاوي كان أحقَّ بأن يَشْكُرَ له بِجَذرِ القلب، فإنه أخرج سبيلًا لنا وله، حيث ذكر وجه التفصِّي عن قول عمر. إلَّا أنَّ اللهَ تعالى قال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] ومن أصدق من الله قيلا. أمَّا إيرادُ الحافظ، فيندفعُ ممَّا ذكره الشيخ، بأن الحبلَ أيضًا سببٌ، كأخويه، إلَّا أنَّه سببٌ بعيدٌ. والبينة، والاعترافُ سببان قريبان. وغفر اللهُ لشيخي، ونضَّر وجهَهُ يوم القيامة، حيث كان يقرِّرَّ الكلامَ بما يكون، ناظرًا إلى ما أورده القومُ في المقام. ولذا لا أحبُّ أن أغيِّرَ في كلامه شيئًا لأنَّ الغافلَ الجاهلَ مثلي، لا يدري مرامي الشيخ. فافهم.