وقال الشافعيُّ: لا يَبلغُ بعقوبَتهِ أَرْبَعين، وكذلك قال أبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ. وقال أبو يوسف: التعزيرُ -على قَدْرِ عِظَمِ الذَّنْبِ وصِغَرِهِ- على قَدْرِ ما يَرَىَ الحاكمُ مِنَ احتمالِ المَضْرُوبِ، فيما بَينَهُ وبين أقلِّ من ثمانين. وعن ابنِ أبي لَيلَى إلى خمسةِ وسبعينَ سوطًا. وقال مالك بن أَنَس: التعزيرُ على قَدْرِ الجُرْمِ، فإِنْ كان جُرْمُه أعظمُ مِنَ القَذفِ ضُرِبَ مائة، أو أكثر، وقال أبو ثور: التعزيرُ على قَدْرِ الجنَاية، وتسرع الفَاعلِ في الشر، وعلى ما يكونَ أَنْكَلُ وأَبْلَغُ في الأَدَبِ، وإِنْ جَاوَزَ التَّعزِيرُ الحدَّ، إذا كان الجُرّمُ عظيمًا، مثلَ أَنْ يَقْتُلَ الرجلُ عبدَهُ، أو يَقْطَعَ منهُ شيئًا، أو يعاقِبَهُ عقوبةً يُسْرِفُ فيها، فتكونُ العقوبةُ فيه على قَدْرِ ذلك، وما يَرَاهُ الإِمامُ إذا كان مَأْمُونًا عدلًا. وقال بعضهم: لا يبلغُ بالأَدَبِ عشرين، لأنَّها أَقل الحدُودِ، وذلك أَنَّ العبدَ يُضرَبُ في شُرْبِ الخَمْرِ عشرون، وقد تَأَوَّلَ بعضُ أَصحابِ الشافعي قولَهُ في جوازِ الزِّيادَةِ على الجَلدَات العَشْرِ، إلى ما دونَ الأَرْبَعين، أَنَّها لا تزَادُ بالأَسْوَاط، ولَكِنْ بالَأَيْدِي، والنِّعالِ، والثِّيَابِ ونَحْوِها، على ما يَرَاهُ الإمامُ، كما رُوِيَ في حديث عبدُ الرحمنِ بنُ الأَزْهَرِ. قلت: التعزيرُ على مَذَاهبِ أَكْثَرِ الفُقَهاءِ إنَّما هو أَدَبٌ يُقصِرُ عن مِقْدَارِ أَقلِّ الحُدودِ، إذا كانت الجِنايةُ الموجبَةُ للتَّعْزِيرِ قاصرةَ على مَبلَغِ الَجنايةِ الموجبةِ للحدِّ، كما أَنَّ أَرْشَ الجِنَايةِ الواقعةِ في العضوِ أبدًا قاصرٌ عن كمالِ ذلك العضو، وذلك أَنَّ العُضو إذا كان في كُلِّهِ شيء معلوم، فوقعت الجنايةُ على بَعْضِهِ، كان معقولًا أَنَّه لا يَسْتَحقُ فيه كل ما في العضو، اهـ: ص ٣٤٠، وص ٣٤١ - ج ٣ "معالم السنن". (٢) قلتُ: وقد تَلَخَّصَ مِنَ المجموعِ ثلاثةُ أجوبة: الأولُ: إَنَّ المرادَ مِنَ الحدودِ حدودُ اللهِ، والمعنى أَنَّه لا ينبغي أَنْ يُجْلَدَ فوقَ عَشْرِ جَلْدَات في صِغَارِ الذنوبِ، وإِنما يُناسِبُ ذلك في المعاصي الكبيرةِ التي تُنْتَهَكُ فيها حُرُمُ الله عز وجل، وهذا هو جوابُ الحافظُ ابنُ تيمية، =