٦٩٦٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ». أطرافه ٣١٨٨، ٦١٧٧، ٦١٧٨، ٧١١١ - تحفة ٧١٦٢
واعْلَم أَنَّ بِنَاءَ إِيرَادِه على خِلافيةٍ أُخْرَىَ، وهي أَنَّ قَضَاءَ القاضي بِشَهَادَةِ الزُّورِ هل يَنْفُذُ ظاهرًا وباطنًا، أَمْ لا؟ وقَدْ فَصَّلَها في - المَبْسُوطِ - بما لا مَزِيدَ عليه، والشيخُ ابنُ الهُمَامِ وإِنْ نَقَلَ بَعْضَهُ، إلا أَنَّه لا يُغْنِي عن الإِصْبَاحِ بالمِصْبَاحِ، فَرَاجِع كلامَ «المبْسُوطِ» فإِنَّه كَفَى وَشَفى.
وجملةُ الكَلَامِ أَنَّ في المَسْأَلَةِ قُيُودًا وشُرُوطًا:
ومنها: كونُه في العُقُودِ والفُسُوخِ، فون الأَمْلاكِ المُرْسَلَةِ؛ ومنها: كونُ المَحَلِّ صالحًا للإِنْشَاءِ؛ ومنها: أَنْ لا يكُونَ القاضي عَلِمَ بِكَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ.
أَمَّا الفَرْقُ بين العُقُودِ والفُسُوخِ، فَعَلَى ما ذَكَرَهُ الطَّحَاوي: أَنَّها عِبَارةٌ عن الإِيجابِ والقَبُولِ، ولَيس لها مَحْكي عنه سوى هذا القول، فإذا حَكَمَ بها القاضي، فَكَأَنَّه يَتَوَلَّى بإِنْشَائِها (١) الآن، بخلافِ الأملاكِ المُرْسَلَةِ، فإِنَّها عبارةٌ عَنْ دَعوَى المِلْكِ بلا سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، فَلَها محكى عنه في نَفْسِ الأمْرِ أيضًا، فلو حَكَمَ بها لأحدٍ لا يَحِلُ له أَنْ يَتَصَرَّفَ فيه تَصَرُّفَ المَالِكِ، لأَنَّه ليس بِيَدِ القاضي إِثباتُها على غير ما ثَبَتَتْ عليهِ في الواقعِ، بخلافِ العُقُودِ، فإِنَّها إِنْ لم تَكُنْ ثابتةً في الواقعِ، فَقَدْ أَثبتَها القاضي الآن مِنْ ولايَتِهِ، ففيها إِثْبَاتُ ما ليس بِثَابتٍ في الخارِجِ، لا أَنَّه تغييرُ الوَاقِع عمَّا هو عليه.
وبِعِبَارَةٍ أُخْرَىَ: إنَّ الأملاكَ المرسلةِ إذا كان لها مَحْكِي عنه، فهي حاكية عن حقيقةٍ ثَابتةَ في نَفْسِ الأَمْرِ، وليس بيدِ القاضي تغييرها عمَّا هي عليه في الوَاقِعِ، بخلفِ العُقُودِ، فإِنَّها إنشاءاتٌ ليست حاكيةً عن شيء، وبِيَدِ العَاقِدَيْنِ إِنْشَاؤُها، فَكَما جَازَ لَهُما العَقْدُ والفسخُ، حال رِضَائِهما، كذلك جازَ أَنْ يَنُوبَ عنهما القاضي عند اخْتِلافِهما، وإِلَّا فأيُ حِيلةٍ لِرَفْعِ النِّزَاعِ عند تَجَاذُبِا لآرَاءِ؟ فأَقامَهُ الشَّرْعُ مَقَامَ العاقَدَيْنِ، بل يَجِبُ أَنْ يكونَ تَصرُفُه أَقْوَى مِنْهُما، حتَى يَنْفُذَ عليهما، على خلافِ رِضَاهُما.
وأَمَّا اشتراط صلاحِ المَحلِّ، فلأنَّ المَحَلَّ إذا لم يَصْلُح له، كيف يَنْفُذُ قَضَاؤُه باطنًا، فإِنْ كانت امرأةٌ معتدةُ الغير، أو منكوحةً، وادعى عليها رجلٌ أَنَّها امرأتُه، وأَتَى
(١) قال صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وجوابُه إنْ لم نَجْعَل الحرامُ المحض، وهي الشَّهَادة الكاذبة من حيث إِنَّه إخبارٌ كاذبٌ، سببًا للحِلِّ، بل حُكْمُ القاضي صارَ كإِنشاءِ عَقْدٍ جديدٍ، وهو ليس حرامًا، بل هو واجبٌ، لأنَّ القاضي غيرُ عالمٍ بِكَذِبِ الشُّهودِ، اهـ. قُلْتُ: وهذا الجوابُ غيرُ وافٍ، ما لم يُراجَع إلى ما ذَكَرَهُ الشيخُ قُدِّس سِرُّهُ، واللهُ تعالى أَعْلَمُ بالصَّوابِ.