ذَهَبَ الحافظُ ابن تَيْمِيَة إلى قِدَمِ العرش - قِدَمًا نوعيًّا، وذلك لأنه إذا أخذ الاستواء بالمعنى المعروف، اضْطَرَّ إلى قِدَم العرش لا محالة، مع حديثٍ صريحٍ عند الترمذيِّ في حدوثه، ففيه:«ثم خَلَقَ عرشه على الماء». بَقِيَ الأشعريُّ، فلا حقيقةَ له عنده غير تعلُّق صفةٍ من صفات الله تعالى به. قلتُ: أمَّا الاستواءُ بمعنى جلوسه تعالى عليه، فهو باطلٌ لا يَذْهَبُ إليه إلَّا غبيٌّ، أو غويٌّ. كيف وأن العرشَ قد مرَّت عليه أحقابٌ من الدهر لم يَكُنْ شيئًا مذكورًا، فهل يُتَعَقَّلُ الآن الاستواء عليه بذلك المعنى؟ نعم أقول: إن هناك حقيقةً معهودةً عبَّر عنها بهذا اللفظ، فليس الاستواءُ عندي محمولًا على الاستعارة، ولا على الحسيِّ الذي نتعقَّلُه، بل هو نحوٌ من التجلي، وقد كشفنا عنه من قبل.
قوله:({اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}) ... إلخ، أثبت تعالى العُلُوَ على ما يَلِيقُ بشأنه. قال الحافظُ ابن تَيْمِيَة: من أَنْكَرَ الجهَةَ تعالى، فهو كمن أَنْكَرَ وجودَه عزَّ برهانه. فإِنه وجودُ الممكن، كما لا يكون إلَّا في جهةٍ، وإنكارُ الجهة له يَؤُول إلى إنكار وجوده. كذلك الله سبحانه، لا يكون إلَّا في جهةٍ وهي العُلُو، وإنكارها يَنْجَرُّ إلى إنكار وجوده.
قلتُ: ويا للعجبَ ويا للأسف، كيف سوَّى أمرَ الممكن، والواجب؟ أَمَا كان له أن يَنْظُرَ أنَّ من أَخْرَجَ العالمَ كلَّه من كتم العدم إلى بقعة الوجود، كيف تكون علاقته معه كعلاقة سائر المخلوقات؟ فإنَّ اللَّهَ تعالى كان ولم يكن معه شيءٌ، فهو خالقٌ للجهات. وإذن كيف يكون استواؤه في جهةٍ كاستواء المخلوقات، بل استواؤه كمعيته تعالى بالممكنات، وكأقربيته. والغُلُو في هذا الباب يُشْبِهُ القولَ بالتجسيم، والعياذ بالله أن نتعدَّى حدودَ الشرع.