للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في «مشكلة»: أنه مُدْرَجٌ. وإن سلَّمنا، فهو محمولٌ على الأغلب، لا أنه هو المَحَطُّ كما فَهِمُوه.

والذي تبيَّن لي أن الأمر في حديث فاطمة بنت أبي حُبَيْش إنما يَدُور على العادة دون التمييز، وإن كان لفظ الإِقبال والإِدبار أقرب إلى التمييز، لأنه أخرجه البخاري بعينه في باب إذا حاضت في شهر ثلاثَ حِيَض، وفيه: «ولكن دَعِي الصَّلاة قدر الأيام التي كنتِ تَحِيضِينَ فيها» مكان الإِقبال والإِدبارد فاتِّضحَ أنَّ الراوي لم يَقْصِد إِلا التَّفَنُن في العبارات، ولم يُرِد من قوله: «أقبلت وأدبرت» معنًى زائدًا عمَّا في قوله: «قدر الأيام التي كنت تَحِيضين فيها (١)»، فالأمر أنها كانت مُعْتَادة تعرف الإِقبال والإِدبار بحَسَب عادتها، لا أنها كانت تْعتَبر بالألوان وإلا لَمَا اختار التعبيرَ المُخِلَّ بالمراد.

قوله: (فاغسلي عنكِ الدم)، المراد منه غَسْل اللَّوْث دون الغَسْل الذي هو فرض بالإِجماع، وهو مرادٌ قطعًا وإن لم يُذْكَر في هذا الطريق، وصحَّ فيه لفظ: «توضيء»، وإن تردَّد فيه مسلم. وقال: وفي حديث حمَّاد بن زيد زيادةُ حرفٍ تركنا ذكره.

قلت: بل هو صحيحٌ بدون تردّد كما أثبته الطَّحَاوي، وأخرج له مُتَابعات أيضًا، فلا تفرُّد، فيه ولا ترُّدد. وأقرّ به الحافظ رضي الله عنه أيضًا: ثم الإِسناد الذي أخرجه الطَّحَاوي فيه أبو حنيفة، ومرّ عليه ابن سيد الناس في «شرح الترمذي» وصحَّحه. وهكذا استشهد أبو عمرو في «التمهيد» بطريق أبي حنيفة والحافظ رحمهما الله تعالى. وإن أقرّ بتلك الزيادة، إلاّ أنه لم يَسْتَعِن بهذا الطريق، ونحن نفهم ما يريد، فافهم أنت أيضًا، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

والحاصل: أنَّ الأمر بالوُضُوء ثابتٌ فيه، ثم هو محمولٌ على الوُجُوب عندنا، وعلى


(١) قال الطَّحَاوي في "مشكله" في حديث حَمْنَة في شرح قوله: "تَحِيضِين في كل شهرٍ في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام". هكذا عند الطحاوي: أنه لم يأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما توَّهم أنه أمرها به مما ردَّ الخيار فيه إليها أن تَحِيض ستًا أو سبعًا، ولكنه أمرها أن تَتَحَيَّض في علم الله ما أكثر ظنّها أنها فيه حائض بالتَّحرِّي منها لذلك، كما أمر مَن دخل عليه شكٌّ في صلاته، فلم يَدْر ثلاثًا صلّى أم أربعًا، أن يتحرَّى أغلب ذلك في ظنِّه، فيعمل عليه، فمثل ذلك أَمْرُهُ المرأةَ في حيضها لمّا أمرها به فيهَ، ولا يكون ذلك منه إلَّا وقد أعْلَمَتْه أنه قد ذهب عنها علم أيامها التي تحيضهن، أي أيام هي من كل شهر؟ فأمرها بتحرِّيها، كما أمر - صلى الله عليه وسلم - المصلِّي في صلاته عند شكِّه كم صلّى منها بالعمل على ما يؤدِّيه إليه تحرِّيه فيه، وكان ما في الحديث من الستة أو السبعة إنما هو شكُّ دخل على بعض رواته، فقال ذلك على الشكِّ، فأمَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يأمرها إلَّا بستة أيامٍ أو بسبعة أيامٍ، لا اختيار منها في ذلك لأحد العددين، ولكن لأنَّ أيامَها كانت -والله أعلم- أحد العددين، وذهب عنها موضعها من كل شهر، وأَعْلَمَتْهُ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فأمرها به فيه. انتهى.
قلت: وهذا كلامه وإن كان في حديث حَمْنة لا في حديث فاطمة، غير أني نقلته لفائدة، ولقد تعسَّر عليّ فهم مسائل الحيض والاستحاضة، فأنا كذلك متردِّد؟ في شرح تلك الأحاديث، فنقلتُ كلام الطَّحَاوي لتتمكَّن من شرح بعض الأحاديث شيئًا، وقد بَسَطَه الطَّحَاوي في "معاني الآثار"، غير أني ما فَهِمْتُ منه بما يكفي ويشفي، وأنا أسأل الله تعالى أن يرزقني فهمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>