(٢) قلت: وهذا نصُّ عبارتِهِ في "المنهاج": وقول هذا الرافضيّ: وإباحة النبيذ مع مشاركته الخمر في الإسكار احتجاج منه على أبي حنيفة رحمه الله تعالى بالقياس، فإن كان القياس حقًا بطل إنكاره له، وإن كان باطلًا بطلت الحجة. ولو احتج عليه بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسْكرٍ خمرٌ، وكُلُّ خمرٍ حرام" لكان أجود. وأما الوضوء بالنبيذ فجمهور العلماء يُنْكرونه. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان أيضًا. وإنما أخذ ذلك لحديث رُوي في هذا الباب حديث ابن مسعود وفيه: "تمرة طيبة وماء طهور". والجمهور منهم يُضَعِّف هذا الحديث ويقولون: إن كان صحيحًا فهو منسوخٌ بآية الوضوء، وآية تحريم الخمر، مع أنه قد يكون لم يَصِر نبيذًا وإنما كان باقيًا لم يتغير، أو تغيَّر تغيرًا يسيرًا، أو تغيرًا كثيرًا مع كونه ماءً على قول مَنْ يُجيزُ الوضوء بالماء المضاف، كماء الباقلاء، والحِمَّص، ونحوهما، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى، وأكثر الروايات عنه، وهو أقوى في الحجة من القول الآخر، فإِن قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: ٦] نكرةٌ في سياق النفي فيعُمُّ ما تغير بإِلقاء هذه فيه، كما يعم ما تغير بأصل خِلْقته، أو بما لا يمكن صونه عنه، إذ شمول اللفظ لهما سواء، كما يجوز التوضؤ بماء البحر وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: أنتوضأ من ماء البحر، فإِنا نركبُ البحرَ ونحمل معنا الماء القليل فإن توضأنا به عَطِشنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطَّهور ماؤه والحِلُّ مَيْتَتُه".