يعني به بَدْءَ هذا الجنس، وأنه كيف ظَهَرَ في الدنيا من كَتْمِ العدم، ولا يختص بأول أمره فقط كما مرَّ مفصّلًا في شرح قوله: بَدْءِ الوحي. وفي رواية قوية:«أنَّ نساء بني إسرائيل كُنَّ يذهبن إلى المساجد فأخذن في التشوُّف إلى الرجال، فمُنِعْنَ عن المساجد، فأُلقي عليهن الحيض عقوبةً لهن». وعُلِم منه أن منع النساء عن المساجد سُنَّةٌ ماضية، والبخاري لم يُبَالِ بهذا الحديث، وأخذ من قوله:«هذا شيء كتبه الله على بنات آدم» أنه من الابتداء وليس بدؤه من بني إسرائيل، ولم يوفِّق بينهما أن بدأه وإن كان من بدء الزمان إلا أنه أُلقي على بني إسرائيل قهرًا، فزِيد فيهن شيئًا نِقمةً. والله تعالى أعلم.
٢٩٤ - قوله:(سرف) هذه قصة حَجَّة الوداع، وأنا أبكي لمخافة فوات الحج.
قوله:(أنُفِسْتِ) قيل: المجهول في الولادة والمعروف في الحيض، وقيل: لا فرق بينهما.
قوله:(غير أن لا تطوفي) إلخ. والسعي يترتب على الطواف فلا تسعى أيضًا (١).
قوله:(وضحى) وحمله محمد رحمه الله تعالى في «الموطأ» على دم التمتع، لأنهن كن متمتعاتٍ، والراوي لا يَبحث عن المعاني الفقهية ولا يراعيها، وإنما يرى صلوح اللغة فقط.
قوله:(بالبقر) قيل: الأزواج تِسعًا فكيف جاز عنهن بقرًا؟ ولقائل أن يقول: إنه اسم جنس يجوز إطلاقه على البقرتين أيضًا، وعند النسائي:«بقرة» بتاء الوَحْدَة. قلت: وحينئذ غرض الراوي بيان الشركة في البقرة بدون التعرض إلى جميعهن أو بعضهن، فلا يَردِ أنه ثبت شركة جميعهن برواية النسائي. وهذا كالأَلِف واللام للجنس والاستغراق، فإن معنى قوله:
(١) ويترشَّح من تعليل شارح "الوقاية" أنَّ نهي الحائض عن الطواف لكونه في المسجد، والحائض لا تدخل المسجد. والصواب أن الطواف لو كان من الخارج لم يَجُزْ لها أيضًا، فالتعليل به غير سديد، وشارح "الوقاية" هو صدر الشريعة، وجَدُّه البرهان، وإليه نُسِب "المحيط البرهاني" و"الذخيرة" أيضًا من تصانيف قبيلته، ولذا يقال له: بيت الفقه، غير أن أكثر اشتغال صدر الشريعة كان بالمنطق، حتى أنه صنَّف فيه رسالته سماها "تعديل المنطق" ردّ فيها على ابن سيناء، وأراد قُطْبُ الدين أن يناظره مرةً فأرسل إليه تلميذه مبارك شاه -الذي هو شيخ للجُرْجَاني- ليأتي بأخباره، فلما بلغه وجده يُعَلِّم كتابًا في المنطق يرد عليهم ويجيب عنهم، فلما رأى مبارك شاه أن له شأن في المنطق كتب إلى شيخه أن لا يقصد إليه، فإنه يفضحه. كذا في تقرير الفاضل عبد العزيز.