وقد ذكر بعض أهل المعرفة بهذه المعاني أن في رهط هرقل فرقةً تُعْرَف بالأروسية توحِّد الله وتعترف بعبودية المسيح له عز وجل؛ ولا تقول شيئًا مما يقول النصارى في ربوبيته، ومن تؤمن بنبوته، فإنها تمسك بدين المسيح مؤمنة بما في إنجيله جاحدة لما يقوله النصارى سوى ذلك. وإذا كان ذلك كذلك جاز أن يقال لهذه الفرقة الأريسيون في الرفع والأريسيين في النصب والجر، كما ذهب إليه أصحاب الحديث، وجاز بذلك أن تكون هذه الفرقة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عياض بن حمار الذي قد رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب من كتابنا هذا. وجاز أن يكون قيصر كان حين كتب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما كتب إليه على مثل ما هي عليه، فجاز بذلك إذا اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخل في دينه أن يؤتيه الله أجره مرتين. وجاز أن تكون هذه الفرقة عَلِمَتْ بمكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبدينه قبل أن يَعْلَمَه قيصر، فلم يتَّبِعوه ولم يدخلوا فيه ولم يُقِروا بنبوته. وفي كتاب عيسى بشارته به صلى الله عليه وسلم كما قد حكاه الله عز وجل في كتابه وهو قوله {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦]، فخرجوا بذلك من دين عيسى لأن عيسى الذي يؤمن به هو عيسى الذي بشر بأحمد لا عيسى سواه، فكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر: وإنك إن توليت فعليك إثم الأريسين الذين خرجوا من ملة عيسى عليه السلام. "مشكل الآثار". واعلم أن النسخة مملوءة من أغلاط النساخ، فإنْ تعسر عليك فهم المعنى، فلا تذهب نفسك عليه حسرات. (١) قلت: يمكن أن يقال إن قوله تعالى ليس على التشريع بل بيان لما يقوله الكفار في المحشر، على خلاف ما قالوه من المسلمين في الدنيا. قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)} [العنكبوت: ١٢ - ١٣] فظهر أن الآية إخبار عن الواقع لا إنها تشريع وبيان لقاعدة، والمعنى أن الله أخبر عن نفس وازرة أنها لا تحمل وزر أحد يوم القيامة، على خلاف ما ادعاه الكفار في الدنيا من أنهم يحملون خطايا المسلمين لو اتبعوا سبيلهم. والله أعلم. (٢) قال الطحاوي في "مشكله" إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يُسَافَر بالقرآن إلى أرض العدو، فكيف كتب إلى هرقل بآيتين من القرآن! فأجاب عنه أنه ليس بخلاف نهيه لأنه إذا سافر بكله، وهذا على السفر ببعضه =