للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مطلقًا، وأما غير المختص منه، فالمستحب فيه أن يكون على طهارة إلا إذا خاف الفوات، وقد مرَّ عن صاحب «الهداية» في باب الأذان أنَّ الطهارةَ تستحب للأَذكار.

قلت: ومع هذا لا تُكره قراءةُ الأذكار بدونها ولو تنزيهًا، لأنَّه لا يلزم أن يكون كلُّ خلافِ المستحَبِّ مكروهًا تنزيهًا، بل لا بد له من دليل خارج، وهو قد يكون، وقد لا يكون، فلعلَّ الكراهة المذكورة في الحديث طبعي لا فقهي، فإِنَّ الطبائعَ الذكية تَحُسُّ من مثل هذه الأمور كُربة وغُمة، ويفوت عنها الانشراح، فكيف بطبع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم الذي كان في أقصى مراتب النزاهة والنظافة. ثم ههنا فَرْقٌ بين فراغ البول عقيبه، وبينه بعد برهة، فإِنَّ الإنسانَ إذا بَعُدَ عهدُه بهذه الأشياء وطرأ عليه ذهولٌ ما تزول عنه تلك الكراهة، ويصدِّقه وجدانك إن شاء الله تعالى.

ولي ههنا إشكال آخر لما رواه الترمذي، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يذكر اللَّهَ في كل أحيانه، ومعناه أنَّه لم يكن ممتنعًا عنه في حالٍ. وقد رُوي عنه عن غيرِ وجهٍ أنه لم يكن يَحْجُرُه عن قراءة القرآن شيءٌ غير الجنابة، فإِما أَنْ يقال كما قاله الطحاوي من النسخ، أو يُفَرَّق بين الكراهة قبل الاستنجاء، وبين الكراهة بعده، ولعلَّك لو نظرت على هذه الأجزاء بالغور والإِمعان سَهُل عليك الأمرُ، وعلمت أَنَّ المسألةَ المشهورة لا تُخَالِفُ الأحاديث (١).

وقد علمت أن مولانا الجنجوهي رحمه الله تعالى كان يُفتي بجواز الردِّ حال الاستبراء، أي بعد الفراغ عن البول حال استعمال الحجارة، وكان مولانا محمد مظهر رحمه الله تعالى يمنع منه.

قلت: أما في الفقه فكما اختاره مولانا الجنجوهي رحمه الله تعالى (٢).

قوله: (ولا يَجِدُ مَنْ يُنَاولِهُ) ... إلخ وعندنا يتيمم وإن كان يجده، لأنَّ القدرة بالغير غير مُعتَبرة عندنا.

قوله: (فلم يُعِد) وهو المسألة عندنا.


(١) قلت: قال السيوطي رحمه الله في "حاشيته على ابن ماجه": إنه ينبغي لِمَنْ سلَّم عليه في تلك الحال أن يدع الردّ حتى يتوضأ أو يتيمم ثم يرد، وهذا إذا لم يخش فوت المُسَلِّم، أما إذا خشي فوته فالحديث لا يدل على المنع، لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَمَكَّن من الرد بعد أن توضأ، أو تيمم على اختلاف الرواية، انتهى. قلت: ولعله رحمه الله تعالى أراد منه التوجيه للمسألة المشهورة من أن ردَّ السلام جائز، بدون الطهارة، فقال: ما نطق به النص، هو أن الطهارة مستحبةٌ لردِّ السلام وهذا مسلم. أما إنه لا يجوز وإن لم يتمكن من الطهارة فالحديث ساكت عنه. لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَمَكَن من الطهارة، وعلمنا من الخارج أنه جائز فلم يخالف الحديث. قلت: ولعل معنى قوله إلا أني كرهت عنده، يعني عند التمكن بها اهـ.
(٢) قلت: والذي يدور بالبال وإن لم يكن له بال بأن الطهارة لردِّ السلام كالوضوء مما مست النار، ومن لحوم الإبل، ومن مسِّ الفَرْج، ومسِّ المرأة، فكما حمله الشيخ رحمه الله تعالى على مستحب الخواص، كذلك فليحملها على مستحب الخواص ليتسع الأمر، ويقرب بمسائل الفقه، والأحاديث الواردة في التوسيع فيه، والله تعالى أعلم اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>