للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإنما الاختلاف من الرواة في تعيينها والأرجح عندي أنه واقعة خيبر. وما عند أبي داود أنها في غزوة «مؤتة» فغلط، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن في تلك الغزوة.

قوله: (لا ضَيْرَ) واعلم أَنَّ النقصان في الأمور الدينية على نحوين: الأول: من جهة النية، والثاني من جهة وجود الشيء. والمُنتَفى ههنا هو الأول فلا ضَيْر من تلقاء النية، أما النقصان باعتبار وجود الشيء فقد وجد، فمعناه لا إثم وإن فاتتهم الصلاة.

قوله: (ارْتَحلوا) قال الشافعية: وإنَّما أمرهم بالارتحال لأنه كان مكانًا حَضَره الشيطان. قلنا: وما لكم تفَرُّون من مكان الشيطان ولا تفرُّون من زمانه، فكلا الأمرين مَرْعيَّان: مكان الشيطان، وزمانه. وقد رُوي: أنَّ الشمسَ تَطْلُع بين قَرْنَي الشيطان، ثم لا أدري أنَّهم قالوه جوابًا فقط أو المسألة عندهم تَرْك الصلاة في مكان الشيطان؟ ولم أر في هذا الباب منهم إلا ما كتبه ابن حجر المكي الشافعيّ في «الزواجر» وهو غير الحافظ رحمه الله تعالى: أن تَرْكَ مكان المعصية من مُكَمِّلات التوبة.

قوله: (فَصَلَّى بالنَّاس) وفي كتاب «الآثار»: أنه جهر فيها أيضًا، فَعُلم منه أنه ينبغي الجَهْر في قضاء الجهرية، وليست تلك المسألة إلا في هذا الكتاب. وفيه اختلاف المشايخ الحنفية. والأرجح عندي ما قررت، ثم إذا فاتته الجماعة هل يجب عليه ابتغاء الجماعة في مسجد آخر غير مسجده؟ فالظاهر أنه لا يجب عليه، ولا يبقى عليه وجوبُ الجماعة بعد فواتها، نعم لا شك في الاستحباب. وفي هذه الواقعة تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلّم قضى سُنَّة الفجر قبل ركعتيه.

قوله: (قال أبو العالية) ... إلخ. قال البيضاوي: إن الصابئين كانوا عُبَّادًا للنجوم. وقيل: إنهم كانوا يُنْكِرون النبوة، وكانوا على مُضَادَّة الحنفية، ثم صار من ألقاب الذمّ.

قلت: وقد تحقق عندي من التاريخ أنَّ العربَ كنوا يُلَقِّبون أنفسهم بالحَنِفِيَّة، وبني إسرائيل بالصابئية، وكان بنو إسرائيل يعكسونه. ونقل الشهرستاني مناظرتهم في نحو خمسين ورقةً، ويفهم منه أنهم كانوا يُنْكِرون النبوة. ومرَّ عليه الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى وقال: إنهم كانوا من الفلاسفة، وزعم أنهم كانوا فرقة من أهل الكتاب لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [البقرة: ٦٢] الآية، حيثُ سَوَّى فيه أمرَهم وأمرَ أهلِ الكتاب، ووعد بالأجر لِمَنْ آمن منهم كما وعد لليهود والنصارى فهو صريحٌ في كونهم أهلَ الكتاب، لأنه ذَكر إيمانَ بعضهم.

وقال آخرون: إِنَّ المرادَ بِمَن آمن: مَنْ يؤمن في المستقبل، وحينئذٍ لا يكون فيه دليل على كونهم كَتَابِيَّين. ويكون المعنى: أنَّ الفوزَ بالآخرة لا يختص بجماعة دون جماعة، ولكن مَنْ يؤمن بالله ورسوله فله النجاة سواء كان يهوديًا، أو نصرانيًا، أو غيرهما، وليس كما يزعمه اليهود والنصارى أنَّ الآخرةَ تَخْتَص بهم، ففيه تفصيلٌ بعد الإِجمال. وقد مرَّ معنا في كتاب الإِيمان في باب «الدِّين يُسْر» إن «مَنْ آمن» الثاني استئناف عندي، وقد مرَّ في موضع أنَّ الصابئين عندي مِمَّن

<<  <  ج: ص:  >  >>