٣٩٧ - قوله:(دخل الكعبة) وهذا في فتح مكة، ولم يَعْتَمر النبي صلى الله عليه وسلّم في هذه المرة، ودَخَلَها بدون إحرام، وهذا أيضًا من ماصدقات قوله:«وأحلَّ لي ساعة من النهار» عندنا.
قوله:(فسألتُ بلالا رضي الله عنه) والمشهور عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه أنَّه قال: «نسيت بلالا أَنْ أسألَهُ كم صلى». قال الحافظ رحمه الله تعالى: والاعتماد على ما رُوِيَ عنه في المشهور، ويُحْتَمَل أنه ذَكَرَ رَكَعتين ههنا أخذًا بالمتيقن، لا أنَّه ذكر بلالا رضي الله عنه. ثم إنَّ بلالا رضي الله عنه يُثبت الصلاةَ ويَنْفي التَّكْبِير، على عكس ابنِ عباس رضي الله عنهما. وجمعهما المصنف رحمه الله تعالى فَأَثْبَت الصلاةَ على رواية بلال رضي الله عنه، والتكبيرَ على حديث ابن عباس رضي الله عنهما، لأنَّ قولَ المُثْبِت أولى.
وتتبعت الفقه للتكبير في البيتِ، فلم أرَ أحدًا منهم صَرَّحَ به، مع ورودِهِ في الأحاديث. قلتُ: وقَدْ كَانَ يَخْطُر بالبالِ وجه آخر في دفع التعارض بين حديثِ بلالٍ رضي الله عنه، وابن عباس رضي الله عنهما بأن يقال:
إن النبي صلى الله عليه وسلّم دخلها في حَجَّةِ الوداع أيضًا، فيُحْمَل النفي والإِثبات على تَعَدُّد الواقعتين، إلا أنَّ المُحَدِّثين ذهبوا إلى الترجيحِ دون التَّطْبيق. وفي «تاريخ الأَزْرَقي»: أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الصلاةِ في البيت فقال: «فيه صلاة، إلا أنَّها ليست ذات ركوعٍ وسجودٍ، بل هي تكبيرٌ، وتسبيحٌ، واستغفارٌ من غيرِ قراءةٍ، كصلاةِ الجَنَازة». ففيه دليل على نفي الفاتحة في صلاةِ الجنازَةِ عند ابنِ عباس رضي الله عنهما على خلافِ ما فَهِمَه الشافعية رحمهم الله تعالى، وقد كان يَتَبَادرُ إلى ذهني أنَّ التَّكْبِيرَ في البيت لعله يكونُ برفع الأيدي كالتحريمةِ كما يقوله الشافعي رحمه الله تعالى عند رؤية البيت. ونفاه الطحاوي، وكما قاله الحنفية رحمهم الله تعالى عند استلامِ الحَجَر.
ثم تتبعتُ ما كان ابنُ عباس رضي الله عنه يَفْعَلُ في صلاةِ الجنازَةِ فَظَهر أنَّه لم يَكُن يَرْفَعُ فيها إلا عِنْدَ التحريمةِ، وحينئذٍ أَمْكَنَ أَنْ لا يكونَ الرَّفْعُ عند التكبيرِ داخلَ البيت أيضًا، ولم أجد عليه روايةً صريحة، وأما مشايخُ بَلْخ منَّا، فذهبوا إلى الرفعِ عند التكبيراتِ في صلاةِ الجَنَازَةِ. وسَنَحَ لي بالرفع عند الاسْتِلام أَنَّ الرَّفْعَ في الصلوات لاسْتِقْبَالِ البيت.