للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعلَّلَه المصنِّف رحمه الله تعالى بقولِ النَّبي صلى الله عليه وسلّم «لَعَنَ اللَّهُ اليهودَ والنَّصارى اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجد».

واخْتَلفوا في وجه تعليله بالحديث:

فقال الكَرْماني: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم لَمَّا خَصَّصَ اللَّعْنَ باتخاذِ قُبور الأنبياء مساجد وَمَنْ في حُكْمِهم كالصالحين من أمتهم، دلَّ على جواز اتخاذ قبور المشركين مساجد بعد نبشها.

قلتُ: وكأنَّه فَهِم أَنَّ اليهودَ والنَّصارى إنما لُعِنوا لأنَّهم كانوا يَنْبُشونُ قبور أنبيائِهم، ثُمَّ كانوا يبْنُون عليها المساجد فَلُعِنُوا لكونِهِ توهينًا لهم، وهذا المعنى لا يُوجد في نَبْش قُبور المشركين، فيجوز نَبْشُها واتخاذ القبور عليها لانتفاءِ المَنَاط.

قلتُ: هذا باطل قطعًا فإنَّ اليهودَ والنَّصارى لم يفعلوه قَطْ، ولكنَّهم كانوا يَبْنُون عليها المساجد مع إبقائِها على حالِهَا تبركًا بهم، وحينئذٍ مناط اللعنةِ هو التشبه بالعبادة.

وقال الحافظ رحمه الله تعالى في وجه التعليل به: إِنَّ الوعيدَ يتناولُ من اتخذ قُبورَهم مساجد تعظيمًا، وَمَنِ اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بِأَنْ تُنْبَش وتُرْمَى عظامُهم، فهذا يَخْتَصُ بالأنبياء ويلحق بهم أتباعهم. وأما الكفرة فإنَّهم لا حَرَج في نبشِ قبورهم إذ لا حرج في إهانَتِهم.

قال الطيبي: وأما من اتخذ مسجدًا بجوارِ صالحٍ بحيث يَبْقَى قبرُهُ خارجَ المسجد، وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا بأس به ويُرْجَى فيه النفع أيضًا.

٤٢٧ - قوله: (وما يكره) ... إلخ وعندي مِنْ تبعيضية في جميع المواضع، وفي «الجامع الصغير» أنَّه لو صلى إلى قبرٍ كُرِه، وإنْ وَضَعَ سُتْرَة بينه وبين القَبْرِ ارتفعت الكراهة.

قوله: (رَأَيْنَها بالحبشة) والهجرةُ إلى الحبشةِ وَقَعت مرتين بل ثلاث مِرَار، ولعلهما ذهبتا إليها في هجرةٍ ولم تكونا دَخَلَتَا في نِكاح النَّبي صلى الله عليه وسلّم فلمَّا نَكَحهما النبي صلى الله عليه وسلّم ذكرتا له القِصَّة.

٤٢٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ، فِى حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَأَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِى النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِى النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِى أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّىَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّى فِى مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ فَقَالَ «يَا بَنِى النَّجَّارِ ثَامِنُونِى بِحَائِطِكُمْ هَذَا». قَالُوا لَا وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَاّ إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>