قوله:(المَمَرِّ في المسجد) يعني به اتخاذه طريقًا، أما إذا مَرَّ بها للصَّلاة فهو أمرٌ مقصودٌ ومعنى صحيح.
٤٦٦ - قوله:(فاختار) وفي الحديث أنَّ النبي يخير أوَّلا.
قوله:(لاتخذت) ... إلخ وبحث الناس في أنَّه هل تمتنع الشركة في الخُلَّة فقيل: إنَّ الخُلَّةَ لا تَحْتمل التعدُّد لأنَّه من الخِلال بمعنى الوسط ولا يَحُل في الوسط إلا واحدٌ بخلافِ المحبة، فإنَّه يَصْلُحُ من المتعدِّد، أقول: وليس كذلك لما في القرآن: {الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ (٦٧)} [الزخرف: ٦٧] فَدَلَّ على أنَّها أيضًا تكونُ من المتعدد، فالأحب إليَّ أنْ لا يستمد فيه من اللُّغة، ويقال: إنَّه أراد من الخُلَّةِ، خُلَّة تَخْتَصُ بين العَبْدِ والمعبود، ولا تكون بين العبدِ والعبد، على أَنَّه لا حرج في اختصاصه عند إرادةِ الاختصاص باللَّهِ سبحانه، وإنْ كان مُشْتَرَكَا في النَّاس فالخُلَّة وإنْ أمكن مع الآخرين، لكنَّه أراد أن يتخذ اللَّهُ خليلا فقط وحينئذٍ ينحصر فيه لا محالةَ بحسب إرَادتِهِ لا باعتبارِ اللغة، والناسُ بصدد بيان معنى يَخْتَص بحضرةِ الحقِّ ولا يكون له اشتراكٌ في الناس، فَفَرَّقوا بين الخَلِيْل والحبيب، والكل في غير موضعه؛ والوجه ما بَيَّنا.
وحاصله: أنَّه لا حاجةَ إلى إيجادِ الاختِصَاصِ في الخُلَّةِ من حَاقِّ لفظه بل الاختصاص من تلقاءِ إرادةِ المتكَلِّم كاف، وجاز إرادةُ الاختِصَاصِ فيما كانت الحقيقة مشتركة وإذن هو تابع لإِرادتِهِ.
قوله:(لكن أُخوة الإسلام) قامت مقام الخُلَّةِ الآن.
قوله:(لا يَبْقَيَنَّ) ... إلخ. وفي حديث قوي الإِسناد «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّم أَمَرَ بسدِّ الأبوابِ غير باب علي رضي الله عنه» وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع ولم يُسَلِّمه الحافظ، ونَقَل عن الطَّحاوي من «مشكلِهِ» أنَّ هذين الحديثين محولان على الوقتين، فكان الأمر أوَّلا كما في الحديث المار ثم أمر بسد باب عليّ رضي الله عنه أيضًا وصار الأمر كما في حديث الباب.
وحاصلهُ: أن استثناء باب عليّ رضي الله عنه متقدم، واستثناء خَوْخَة أبي بكر رضي الله عنه في مرض وفاتِهِ صلى الله عليه وسلّم وقد مرَّ أنَّ استثناءَ باب عليّ رضي الله عنه كان لاِخْتِصَاصِهِ ببعضِ أحكام المسجد، كالمرور في المسجد جنبًا، وقد مَرَّ أَنَّ موسى وهرون عليهما الصَّلاة والسَّلام أيضًا كانا مُخْتَصَّيْن ببعضِ الأحكامِ، وقال النَّبي صلى الله عليه وسلّم «أنت مني بمنزلة هرون من موسى»، وقد مرَّ تقريره مبسوطًا، قال العلماء: إنَّ القِبْلَةَ إذا تحولت نحو الجنوب صارَ بابُ المسجد نحو الشِّمَال وكانت في جهتي الشرق والغرب خوخات، فَأَمَرَ النَّبي صلى الله عليه وسلّم بِغَلْقِهَا أيضًا غير خَوْخَة أبي بكر رضي الله عنه إشارة إلى خلافتِهِ لحاجته إليها في دخوله المسجد وصلاتِهِ بالنَّاسِ، والأبواب تكون للإيابِ والذهاب، فبقي البابُ الذي كان في جهة الشمال للإِياب والذهاب، وسُدَّت الخَوْخَات وسائر الأبواب كلُّها، فإنْ قلت: ما معنى قوله إلا بابَ أبي بكر، مع أنَّه كان قد سد أوّلا فلم يكن هناك باب ليسد؟ قلت: المراد بالباب الخَوْخَة كما قرَّره الحافظ.