للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ «سَلُونِى». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ «عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ». أطرافه ٩٣، ٧٤٩، ٤٦٢١، ٦٣٦٢، ٦٤٦٨، ٦٤٨٦، ٧٠٨٩، ٧٠٩٠، ٧٠٩١، ٧٢٩٤، ٧٢٩٥ - تحفة ١٤٩٣

٥٤٠ - قوله: (إِلا أخبرتُكم ما دُمْتُ في مقامي هذا) (١).

٥٤١ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِى بَرْزَةَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّى الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ


(١) قلتُ: ولو كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عالمًا للغيبِ مطلقًا، ظاهرًا عليه بمفاتيحه، كما فَهِمَه بعضُ الجُهَلاء، لما كان لهذا التقييد معنىً، بل هو مِنْ نحو تجلى عليه إِذْ ذاك على نحو ما يَطْرأ على الأولياء مِنْ بَعْضِ تلكَ الأحوالِ، فتارةً يُخبِرون عَن العرش، وأُخْرَى يَغْفَلون عن الفَرش، وأحوالِ الأنبياءِ أَرْفَع، وإنَّما ذَكَرْتُ الأولياء تفهيمًا وتَقْرِيبًا، ويَدُلُّ على هذا قوله: "عُرِضَت عَليَّ الجنةُ والنَّارُ آنفًا". ومعلومٌ أَنَّهما لم تكونا معروضتين عليه دائمًا، وإِنَّما هو مِنْ بابِ العَرْض فَظَنُّوهُ عِلمًا على أَنَّه لا يدري أَنَّ وَعْدَ الإِخبار منه لكل شيء يسألونه عنه، كان لإِحاطة بِعلم الجزئيات كلًّا وجزءًا، أو بوعدِهِ تعالى إياه أنَّه سيَكشفها عليه عند السؤال، كما كشف عَنْ بيتِ المقْدِس، وجُلِّي له حتى أخبر قريشًا عما سألوه مِنْ أحوالِها. والظاهر هو الثاني، لقوله: عرضت ... الخ.
ثم إنَّ الغيبَ هل ينحصر فيما هم سائلون عنه، أو سؤال النَّاسِ فيما يبلُغ إليه فكرههم جزء من الغيب. فلو فرضنا أنَّه عَلِمَ جوابَ كل ما يسأله النَّاس مِنَ الأشياءِ، وكان ذلك النَّحو منه مستمِرًا عنده حاضرًا حضور المعلول عد عِلَّتِه لَما ازداد على قَطْرة من بحرٍ أو دونَها، فإِن كلماتِ الله غير متناهية، وأسئلتهم كلها متناهية، والمتناهي وإِنْ كثر وكثر، لكنَّه لا شيء بجنب غير المتناهي، فَعِلْم النبي - صلى الله عليه وسلم - أَزْيَد مِنَ المخلوقات، ولم يبق من علوم الهدَاية ما لا بد منها لأمته إلا وَقد أعطاها الله له، وهو الأليقُ بشأن الأنبياء.
أما علوم المزارع والأكارع فهو كما قال هو بنفسه: أنتم أعلمُ بأمور دنياكُم، ألا ترى أَنَّ الخضر عليه السَّلام كان عالمًا بجزئياتٍ لم يعلمها موسى عليه الصلاة والسَّلام؟ ثُمَّ اتفقوا على أَنَّ الفضلَ إنَّما هو لموسى عليه الصلاة والسلام. أمَّا الخضر عليه الصلاة والسلام فإنَّهم اختلفوا في نبوته، وهم كذلك بعد مختلفون. ويجوز على قولِ مَنْ قال بولايته، أَنَّ يزيد ولي على نبي في نحو هذه العلوم، فأي فضل بَقي فيه فيرومون إثباته للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد قلتُ مرة للشيخ رحمه الله: إِنَّ علوم الباري جل ذِكْرُه لعلها تضعف عن حملها بنية البشر فلو تجشم أحد لتحمله لم يتحمله فإنَّ العلوم الغير المتناهية إنَّما تليق بمن كان سائر صفاته كذلك، ليس هو إلا الله، فليست تلك العلوم أيضًا إلا لله جل مجده، ولله المثل الأعلى. فأقرّ به الشيخ رحمه الله تعالى، وهو مَحْمَلُ قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حين رأى في المنام أَن الله تعالى وَضَعَ يده بين كتفيه "فتجلى لي كل شيء" وفي لفظ "فعَلِمْت ما في السماوات والأرض". فعبَّر عنه تارةً بالعلم، وتارةً بالتجلي، ثُمَّ إنَّ علمه تعالى لا يَنْحَصر فيما بين السماوات والأرض، ولو عَلِمَ ما بينهما كلها فماذا كان. وفي حديث عند الترمذي وغيره: "إنَّ اللهَ زوى لي الأرض كلها، وبلغ ملك أمتي إلى ما زُوي لي منها" -بالمعنى- في هذا الباب إلا لفظ العرضى والتمثل والتجلي والزوي نعم تارة جاء فيه لفظ العلم أيضًا ثم في أحاديث الفتن عند الترمذي أَنَّه أَخبَر الصحابةَ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فهل تراهم صاروا به عالمين بالغيب كلهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم، وإنَّما أريد به الإِخبار بما يتعلق بالفتن، وبنحو الدرجات والكفارات في حديث المنام مع تعميم في اللفظ فادره.

<<  <  ج: ص:  >  >>