نِصْفِ الليل، وهو باطلٌ عندي، فإِنَّ البياض الذي بعد الحُمْرَة يَعْقُبه الظَّلام والبياضات بعدَهُ تكون غير هذا البياض.
ولنا: ما عند الترمذي «حتى يَسْوَد الأفقُ» وليس هذا السواد إلا بَعْدَ البياض، أمَّا اللغة. (١) فالتحقيق فيه عندي: أَنَّ الشَّفَقَ مِنَ الإِشفاقِ والشَّفَقَةِ هي الرِّقة فهو أَمرٌ بينَ البياضِ الناصع، والحُمْرَة القانية. واعلم أَنَّ الوَقْتَ في اليوم الواحدِ من انبلاج الصُّبحِ الصَّادقِ إلى طُلوعِ الشمسِ، يكون كما بين غُروبِها وغُروب الشَّفقِ الأبيض في ذلك اليوم كذا حققَه الرياضيون.
ثم اعلم أنَّ تَرْدِيدَ وَقْتِ العشاء في الأحاديث مِنَ الثُلث والنِّصف إنَّما يُبْنَى على تَرْدِيد القُرْآن في صَلاةِ الليل، قال تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ... } [المزمل: ٢ - ٤] فقد وزع الله سبحانَه الليلَ كلَّهُ بين وظيفةِ العشاءِ وصَلاة الليل، فإِن جَعَلَ العشاء في النصف بقي النصف الآخر لصَلاةِ الليل، وإِنْ صلاها في الثلث بقي الثُلثان لصَلاةِ الليل وهكذا، وعليه الترديد في النُّزول، فيعلم مِنْ بعض الرِّوايات أَنَّه مِنَ الثُلث، ومِن بعض آخر أنَّه من النِّصف، ورجحَ الحافظُ أنَّه في الثلث الآخر.
والتحقيقُ فيه عندي أَنَّ الكلَّ صحيح، ويفصل بين النُّزول والنزول، فنوعٌ منه يكون على النِّصف، والآخر على الثُلث، ولا نَدْرِي ما كيفيات تلك النزولات، وأي فروق بينها، وسَيَرِدُ عليك تحقيقُ النزول وأشباهه إن شاء الله تعالى.
٥٧٠ - قوله:(وكان ابنُ عمر رضي الله عنه لا يُبالي أَقَدَّمَها أم أَخَّرَها إذا كان لا يَخْشَى أَنْ يَغلِبَهُ النَّوم) ... الخ، وهذا يدلُّ على جواز النَّوم حين أَمِنَ فَوَاتها.
٥٧١ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ وَقَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلَاةَ. قَالَ عَطَاءٌ
(١) قال الخَطَّابي: قالت طائفة: الشَّفَق: الحُمرة. روي ذلك عن ابنِ عُمر وابنِ عباس، وهو قولُ مَكْحُولٍ وطاوسٍ، وبه قال مالك وسفيان الثوري، وابنِ أبي ليلى وأبي يوسف، ومحمد والشافعي، وأحمد وإسحاق، وروي عن أبي هريرة أَنَّه قال: الشَّفَقُ البياض، وعن عمر بن عبد العزيز مثله، وإليه ذَهَب أبو حنيفة رحمه الله، وهو قولُ الأوْزَاعي. وقال بعضهم: الشَّفَقُ اسم للحُمْرَة والبياض معًا، إلا أنَّه إِنَّما يُطْلَق في أحْمَر ليس بقاني، وأبيض ليس بناصع، وإنَّما يُعْلَم المرادُ منه بالأدلةِ لا بنفسِ اللفظ كالقرء اهـ. "معالم السُنن".