إذا سمعت هذا فاعلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما عرس بعد ما لحقهم التعب وسألوه التعريس فقالوا: لو عَرَّست بنا يا رسول الله، ثُمَّ جرى على لسانِه وخَطَرَ ببالِهِ ما كان واقعًا تكوينًا. فقال: إني أَخَافُ أن تناموا عن الصَّلاة على نحو ما جَرَى على لسانِ يعقوب عليه السَّلَام إنِّي أخاف أن يأكله الذئب فوقع كما خطر ثَم إِنَّ التكوين أَمر غير التشريع، ولم نُكَلَّف بما في التكوين، فإذا أرَدْنَا أن نعرس فليس علينا إلّا أَنْ نوكِّلَ رجلًا أَنْ يوقظنا، فلو نامَ الرجلُ ونمنَا فهو تكوين. وما قدَّره الله تعالى فهو آتيه لا محالة. فالتشريعُ لا يسد باب التكوين، ولذا قال يعقوب عليه السلام بعد ما أَوصَاهم ألا يدخلوا من باب واحد، ولا أغني عنكم من الله شيئًا، فكان كما جَرَى على لسانه حتى جاءه التقديرُ من باب آخر، ولم يمنعه دُخولُهم من أبواب متفرقة، نبه عليه الشاه عبد القادر رحمه الله تعالى أيضًا، ثُمَّ قَد يَغْلِب عليهم التكوين من جهة الله سبحانه، ومن هذا الباب حكايةُ موسى عليه السَّلام خَلفَ الحجر عُريانًا، وإلقاءِ النبي - صلى الله عليه وسلم - إزاره على مَنكِبهِ ولُقِّي النَّصبِ لموسى عليه السلام من السفر، وإليه يشير قوله: "إنما أنسى لأسن" أي يُلقى عليَّ النسيان تكوينًا ليسن ما ينبغي في مثل هذه، وأمكَنَ أن يكون نومه أيضًا من هذا الباب والله تعالى أعلم، وهو يهدي إلى الصواب.