وهذا ينفَعُكَ في جواب ما أُوردَ على قوله تعالى في الحديث القدسي: "افعلوا ما شِئتُم، فقد غَفَرْتُ لكم" لا يريدُ به إلَّا التعميمَ في اللفظ، ورفعُ القيد في العُنوان كرامةً لهم، والكريمُ إذا رُفع عنه القيد في العنوان يرى نفسه أوثق مما كان، ولذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أفلا أكون عبدًا شكورًا، فمن أكل السُّمَّ بعدما أجازه الطبيبُ أن يأكل كل شيء، وعمل بتعميمه ثم مات، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نفسه، فإن التخييرَ إنما يجري في الجائزات دون المحرَّمات. فإن قلتَ: فحينئذٍ لم يَبْقَ فيه لأهل بدر كرامةً قلتُ: كلا، بل هي كرامةٌ أي كرامةٍ، فإِنهم قد عَملُوا عملًا كُفُوا عن كسب سائر الحسنات على حدُّ قَوله: "ما ضرَّ عثمان ما عمل بعده" أو كما قال فقد تكون طاعةٌ تغنيك عن الفواصل، وتكفيك لآخرتك، فهؤلاء أهل بدر قد عَمِلُوا عملًا أعلن به على لسان رسوله في الدنيا أنه كفى لنجاتهم، فليعملوا ما شاؤوا، ولا حاجةَ لهم لنجاتهم إلى تجشُّم الأعمال، وتكلُّف المشاق، وسهر الليالي والأيام، فأيَّة منقبةٍ بعد ذلك تريد؟ والحاصل: أن التعميمَ بالنسبة إلى الوقت الذي كانت الصلاة مقيَّدةً به، لا بالنسبة إلى الأوقات المكروهة، فافهمه. (٢) قلتُ: ولفظ الخَطَّابي في "معالمه": لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بها وجوبًا، ويُشْبِهُ أن يكون الأمرُ به استحبابًا ليُحرِزُ فضيلة الوقت في القضاء، اهـ. أَمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا كفارةَ له إلَّا ذلك"، فقال الخَطَّابي: يريد أنه لا يَلْزَمُه في تركها غُرْمٌ أو كفَّارةٌ من صدَقةٍ أو نحوها، كما يَلْزَمُه في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفِّارة، وكما يَلْزَم إذا ترك شيئًا من نَسكه كفارةٌ، وجبران دم، وإطعامٌ، ونحوه. وفيه دليلٌ على أن أحدًا لا يُصَلِّي عن أحدٍ كما يَحُجُّ عنه، وكما يؤدِّي عنه الديون ونحوها. وفيه دليلٌ على أن الصلاة لا تُجْبَرُ بالمال، كما يُجْبَرُ الصوم ونحوه. اهـ. قلت: أَمَّا لزوم الكفارة من ترك الصوم في رمضان من غير عذر، فلا أَعْرِفُ أن يكونَ مذهبًا للأئمة الأربعة، إلَّا أن يكون المرادُ من الترك الفسادَ، والإِفطار بعد الصوم، أمَّا إذا لم يصُم فلا كفَّارة عليه، وعليه قضاءٌ.