للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (وكان الأسودُ إذا فاتَتْه الجماعة ذَهَبَ إلى مسجدٍ آخر) ... الخ. ولا يجبُ ابتغاء الجماعة في مسجدٍ آخر إذا فاتته جماعة المَحَلَّة. نعم يُسْتَحَبُّ له ذلك عندنا أيضًا. وفي الفِقْه: إن فاتت الجماعة يُجَمِّعُ مع أهله في بيته، وأمَّا من لم يَرْغَب في تحصيل جماعة المسجد أصلا وجَمَّعَ في بيته، فهل يُعَدُّ تاركًا للجماعة أو لا؟ فلم يتعرَّض إليها غير «الكبيري» فليراجعه.

قوله: (وجاء أنسٌ إلى مسجدٍ قد صُلِّيَ فيه، فأَذَّنَ وأَقَامَ، وصلَّى جماعةً)، واستدلَّ به من اختار الجماعة الثانية، ووسَّع فيها أحمد رحمه الله تعالى، وذهب الشافعيُّ رحمه الله تعالى ومالك رحمهما الله تعالى إلى التضييق كما صرَّح به الترمذيُّ (١). وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الكبيري: أنها تَجُوزُ بدون الأذان والإِقامة إذا لم تكن في موضع الإِمام. ولعلَّ تركَ الأذان والإِقامة مع ترك موضع الإِمام لتغييرها عن هيئة الجماعة الأولى، وفي ظاهر الرواية: أنها مكروهةٌ. ثم إن رواية أبي يوسف رحمه الله تعالى محلُّها فيمن فاتتهم الجماعة، لا أنهم تعمَّدوا ذلك أو تعوَّدوه.

أمَّا أثرُ أنس رضي الله عنه، فلا دليلَ فيه لِمَا في «مصنَّف ابن أبي شيبة» «أنه جَمَع بهم وقام وَسْطَهم، ولم يتقدَّم عليهم»، فدَّل أنه قصد تغيير الشَّاكِلَةِ كما فعله أبو يوسف رحمه الله تعالى، غير أن أبا يوسف رحمه الله تعالى غيَّرها بترك الأذانين وموضع الإِمام، وأنسًا رضي الله عنه بترك التقدُّم عليهم، على أنه لم يُجَمِّعْ في مسجد مَحَلَّته، وإنما جاء إلى مسجد بني زُرَيْق (٢)، وجَمَّعَ بهم فيه. ومسألةُ الجماعة الثانية فيما إذا جمع أهل تلك المَحَلَّة في مسجدهم ثانيًا. ثم إن الهيثمي أخرجه، وبوَّب عليه بما يُعْلَمُ منه أنها كانت قضاءً للفائتة، وحينئذ خَرَجَ عمَّا نحن فيه، وهو عندي وَهْمٌ منه. والهيثمي صاحب «مجمع الزوائد» تلميذ الحافظ العراقي، و «مجمع الزوائد» كتابٌ نافعٌ جدًا.

قالوا إن الكُتُبَ على أربع مراتب: الأولى الصِّحَاح الست غير ابن ماجه، ثم «المسند» لأحمد رحمه الله تعالى في ستة مجلدات تحتوي على أربعين ألف حديث، ثم «مجمع الزوائد» للحافظ نور الدين الهيثمي، والرابعة «كنز العمال» إلا أن النقدَ فيه قليلٌ، ثم إن التكرارَ فيه مع تجديد الأذان والإقامة، ولا يقولُ به أحدٌ، فلا استدلالَ فيه أصلا.

قوله: (صلاةُ الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ على صلاته في بيته) ... الخ. فيه مقابلةٌ بين صلاة الجماعة والفَذِّ، لا بين جماعة المسجد وجماعة البيت، فإن الجماعةَ في نظر الشارع في المسجد دون البيوت، وحينئذٍ فالصلاة في البيت لا تكون إلا منفردًا، وكذلك صلاته في سوقه،


(١) قال الترمذي في باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صُلِّي فيه مرة: إذا صلَّى لا بأس أن يُصَلِّيَ القومُ جماعة في مسجد قد صُلِّي فيه، وبه يقول أحمدُ وإسحاقُ رحمهم الله تعالى، وقال آخرون من أهل العلم: يُصَلُّون فُرَادَى وبه يقول سُفْيانُ، وابنُ مبارك، ومالكُ، والشافعيُّ رحمهم الله تعالى يختارون الصلاة فُرَادَى. اهـ.
(٢) قلتُ: وفي "الفتح": أنه مسجد بني ثَعْلبة، وفي رواية: بني رِفَاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>