للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القوم، وإن كان إمامهم مُحْدِثًا كما في الفتح، فكأن حقيقة الائتمام ارتفعت عندهم رأسًا، ولم


= وبالجملة فَرَّعَ عليه الشافعية رحمهم الله تعالى في مسائل فساد صلاة الإمام مع صحة صلاة المقتدي، وهذا مما لا يُسَوَّغُ عندنا بحالٍ، وإنما يأتي الحديث فيما كان الإمام فاسقًا مثلًا بخلاف المقتدي، ولكن الأوْلَى أن يُؤخَذَ الحديث في مسألة الأوقات، لأنه قد وَرَدَ مُصَرَّحًا في غير واحدٍ من الأحاديث المضاهية له كما عند أبي داود: "ستكون عليكم أمراء من بعدي يؤخِّرُون الصلاة، فهي لكم، وهي عليهم ... " إلخ. ويُقَارِبُه ما عند البخاري: "يصلُّون لكم، فإن أَصَابُوا فلكم وإن أخطؤوا وعليهم"، ولفظ البخاري، وإن كان مُبهَمًا، إلَّا أنه قد ثَبَتَ في غير واحدٍ من الأحاديث عند أبي داود أن الدَّخيل فيه هو التقصير في الوقت، فحملنا المُبْهَم على المُفَصَّل. وإذن تعيَّن مِصْداق حديث البخاري عندنا، وهو عدم المراعاة للوقت المسنون، لا ما زَعَمه الشافعية رحمهم الله تعالى.
والدخول في الأوقات المكروهة، وإن لم يذكرها الفقهاء إلَّا في الظهر والعشاء، إلَّا أني فَهِمتُ من قوانين الشرع الإجازة مطلقا، فمن خاف على نفسه في زمن الأمراء الجَوْر له أن يدخلها معهم في الصلوات كلها، فإن الحَجَّاج كان يُمِيتُ الصلوات حتى كان وقت العصر يَدخل في خلال الجمعة. وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يصلون العصرَ بالإيماء.
ثم أقولُ: والذي وَضَحَ لدي بعد تتبُّع طُرُق هذا الحديث: أن الشارع لم يُخَاطب المقتدين بإتمام صلاتهم عند تقصير أئمتهم في أحد من الأحاديث عندي، وإنما أضافه البخاري رحمه الله تعالى من عند نفسه، فللحنفية رحمهم الله تعالى أن يتركوه. ومقصود الأحاديث عندنا: أن وَبَال تأخير الأئمة إنما يكون عليهم، ولا يَرْجع وَبَالُهم إلى المقتدين أصلًا، فهذا الحديث يتعلَّق بالحكم الذهني ولا تعلق له بما في الخارج من العمل أصلًا، فإن تمسَّك به أحدٌ على الأعمال الخارجية أيضًا، فهو عندي تمسك من عموم غير مقصود، وليس بقوي عندي، وقد استعمله المالكية رحمهم الله تعالى كثيرًا. وإنما يُؤخَذُ بالعموم إذا تبين أنه قد أراده المتكلم أيضًا، وإلَّا فهو غير مُعتَبرٍ، ولا مُؤَثر عندي.
فالحديث عندي لا يُحمَل على جزئيات الشافعية رحمهم الله تعالى، ولا ريب أنه موضع مُشكِل، لأن تعيين الجزئيات المطلوبة عند عموم اللفظ وتجريدها من غيرها مُتَعَسر جدًا كما ترى فيما نحن فيه، فإن خطأ الأئمة عام، ثم قَصرُه على بعض الجزئيات قد يَتَعَسر على من لم يَقتَحِم تلك الموارد. وتفصيل المقام: أن الأحاديث قلما تحتوي على حكم شخصي، وإنما تَرِد على حكم في النوع أو الصنف، فإذا وَرَدَت في الجنس أو جنس الأجناس تَعَسرَ منه إخراج المَحَامِل لا محَالَة.
مسألة: إن أخَّر الإمام في الصلاة، فجاء رجل وصلَّى في الوقت منفردًا، ثم انصرف هل له فيه رخصة؟ قلت: نعم، ولا أرى على المُتَخَلِّف من تلك الجماعة إثمًا، بقي تأخير النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتى ناداه عمر رضي الله عنه: نام النساء والصبيان، فلم يَكُن من هذا الباب، فإنه كان لبيان التشريع، أمَّا غير النبي، فإنْ أخر بمثله، لهم إن صلُّوا فُرَادى، والله تعالى أعلم.
مسألة: في "الدر المختار": أن الصلاةَ خلف الفاسق مكروهة كراهية تنزيه، وفي "الكبيري شرح المنية": كراهية تحريم، وهو المختار عندي، لأنه يُوَافِق الحديث، وهو مختار المالكية، بل المالكية ذَهبوا إلى عدم الجواز.
وأما عندنا، فهذا وإن كان جائزًا عند فَقْد الإمام العدل، كما في "البحر"، لكن في اختيار التحريم موافقة معهم في الجملة، ولذا اغتنمت هذه المُقَاربة، وأَفْتَيتُ به على ما علمت من دأبي.
فائدة: المبتدع هو المتقرِّب بأمر لا يكون ثابتًا من الأدلة الأربعة، وكان بحيث يلتبس بالشروع، يَختَلِطُ معه، فإن لم ينوِ به التقرُّب إلى الله تعالى، فليس بمبتدع كما يفعله الجهلاء في أيام النكاح بعضَ الرسوم القبيحة، فإنهم يَرَوْنَها لهوًا، لا أنها مسائل وعباداتٍ، بخلافها في الموت، فإنهم يفعلون ما يفعلون كأنه مسألة من الدين، وقد صنَّف الشاطبي في رد البِدَع كتابًا، وكذلك الشاه إسماعيل رحمه الله تعالى أيضًا. وزَعَمَ بعض الناس أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>