وهكذا رُوي عن جابر رضي الله عنه، والبراء، وغيرهم. وذلك لأن بعضَ الأمراء كمروان بن الحكم كان قدَّم الخطبَة، فقد عَلِمتَ ممَّا ذكرنا أن الصحابةَ رضي الله عنهم ماذا كانوا يُرِيدون من التخصيص بالذكر، وعليه فَليُقَس حديث ابن عمر رضي الله عنه في رفع اليدين. وبالجملة حديث ابن عمر رضي الله عنه لا يُوَافقهم بتمامه كما زَعَمُوه. أما أولًا، فلدلالته على الترك كما سَمِعْتَ آنفا. وأما ثانيًا، فلما رَوَى الطَّحَاوِي عن مُجَاهد قال: "صلَّيت خلف ابن عمر رضي الله عنه، فلم يكن يرفع يديه إلَّا في التكببرة الأولى من الصلاة". وأمَّا ثالثا، فللرواية التي نقلناها عن "خلافيات البيهقي" عن قريب. وأمَّا رابعًا، فلما عند البخاري في حديثه: "إذا قام من الركعتين رَفَعَ يديه" ففيه إثباتٌ للرفع عند النهوض من الركعتين أيضًا. ولا يقول به الشافعي رحمه الله أيضًا، فهذا حال حديث ابن عمر رضي الله عنه في الرفع، فإذا لم يستطيعوا العمل بكله، جَعَلوا يَحْتَالُون بتضعيف ما خالفهم مرةً، وبالإعلال أخرى. ولعلَّك عَلِمْتَ حينئذٍ أن حديث ابن عمر رضي الله عنه لا يخلص لهم كما زَعَمُوه، بل فيه تأييدٌ للحنفية، فإن الرفع إذا ثبت عنده في موضعٍ آخر مع ترك العمل به بالاتفاق، ثَبَتَ الترك في الجنس من نفس حديثه، حتى ثَبَتَ من رواية البيهقي والطحاوي الترك مطلقًا في المواضع كلِّها. وإذن لم نَفْتَقر في إثبات الترك إلى حديث من الخارج، بل كفانا لذلك ابن عمر رضي الله عنه، ولله الحمد.