للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه. ولعلَّ مِلْحَظ الحنفية أن رفعَ اليدين للتحريم فعلا كتحويل الوجه عند التسليم للتحليل فعلا، فينبغي أن يكونَ مرةً فقط كالتسليم. أو للاستقبال والإِقبال على الله والتوجيه إليه، وحينئذٍ نَاسَبَ أن يكونَ في الابتداء فقط، فإِن الآدابَ عند اللقاء لا تتكرر. ثم حرَّرتُ أنه يقوم مقام المصافحة، كما في حديث الحجر الأسود وهو يمينُ الله، واستلامُه يقومُ مقام المصافحة.

أمَّا السلامُ في الصلاة، فهو تحيَّةُ الوَدَاع. وكان يُسَلَّم أولا: «السلامُ على من قِبَل عباده» فعلَّمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مكانه: «السلامُ عليكم ورحمةُ الله». ثم إن قوله صلى الله عليه وسلّم تحريمها التكبير ... الخ معناه أن التكبيرَ شيءٌ يَحْصُل به الدخول في الصلاة، والتسليمُ شيءٌ يَخْرُج به عن الصلاة، فوضع في التسليم هيئةً تَصْلُح للانصراف، فناسب في وِزَانِهِ أن تكونَ عند الدخول أيضًا هيئةٌ تُؤْذِنُ بالإِقبال على الله، فوضع رفعَ الأيدي مستقبلا إياه. وحينئذٍ تحصَّل أنه للإِقبال دون التعظيم، وإن كان الإِقبالُ أيضًا تعظيمًا، فهو ضمنيٌّ. بل كل فعلٍ في الصلاة، ففيه نوعُ تعظيمٍ، وإنما الكلامُ فيما قُصِدَ به، لا ما تضمَّنه سواء قُصِدَ به أو لا. ثم تبيَّن لي في حكمته أنه من سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال: {هَذَآ أَكْبَرُ} [الأنعام: ٧٨] ولعلَّه يكون رفع إذ ذاك أيضًا، فأصلح الشريعة.

قوله: (وأقام الله أكبر مقامه)، ثم سَبَرْتُ الشريعةَ، فوجدت أنه يُقَال عند رؤية الهلال: الله أكبر، وفي الحديث: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، وصَرَفَ وجهه عنه»، والصرفُ لئلا يتوهم أن التكبيرَ للهلال. وفي «تاريخ الخميس» - ومصنِّفه شافعي المذهب - عند ذكر إبراهيم عليه السلام: إن الرفعَ في المواضع الثلاثة كان من ملَّته، ثم تتبعتُه حتى وجدتُ في «تفسير الشاه عبد العزيز» أن رفعَ اليدين من ملَّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. والذي يَظْهَرُ أن ما هو من دِينِهِ هو الرفعُ فقط، أمَّا حَمْلُه على المواضع الثلاثة فمشى على مذهبه، أو تمشيةً له، فالتكبيرُ عندي للإقبال على الله وقوله: «إني وَجَّهْتُ وجهي للذي .. » الخ للإِخلاص، ولذا اختار أبو يوسف رحمه الله تعالى دعاءَ التوجيه في الصلاة.

والتكبيرُ: أيضًا يَعْمَلُ عملَ التوجيه، فهو لجعل الشيء لله فإِن المشركين كانوا يُهِلُّون بأسماء طواغيتهم لذلك ولذا يكبِّر عند الذبح. ولعلَّه في أذان المولود، وعند صلاة الجِنَازة أيضًا لهذا. فصار على نَقَاضَةِ الإِهلال لغير الله فهذه أنظارٌ ومعانٍ لا يُنَاقِضُ بعضُها بعضًا، فراعها تُعينك في العمل برفع اليدين وتركه والله تعالى أعلم.

٧٣٧ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِى قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ هَكَذَا. تحفة ١١١٨٧

٧٣٧ - قوله: (إذا صلّى كبَّر ورَفَعَ يَدَيْه) وفي «صحيح مسلم» «ثم رفع يديه»، وحَمَلَه الحافظُ على صورتين مُتَغَايِرَتَيْن وقد مرَّ مني أنه لا ينبغي أخذ الصور من تعبيرات الرُّوَاة فقط، بل الأمر كما حقَّقه الشافعيُّ رحمه الله تعالى. ثم هذا حديث مالك بن الحُوَيْرِث بالبَصْرَة،

<<  <  ج: ص:  >  >>