للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وائل لفظ: «على الصدر» أيضًا، وهو معلولٌ (١) عندي قطعًا، لأنه لم يَعْمَلْ به أحدٌ من السلف، ولا ذهب إليه أحدٌ من الأئمة، إلا ما وقع في كتاب «الأنوار» للأَرْدَبِيلي.

وفي عامة كُتُب الشافعية: فوق السرة وتحت الصدر، قال ابن حَجَر المكي في «شرح المشكاة» إن معناه قريبٌ من الصدر، ولعلَّ هذا هو مَحْمَل كلام «الحاوي» أيضًا. ومرّ عليه ابن القيم في «إعلام الموقِّعين» - وقال: إن الحديثَ رواه ابن خُزَيْمة وجماعةٌ، مع أنه لم يروه غير ابن خُزَيْمة، اللهم إلا أن يكون مراده منه أصل الحديث بدون هذا اللفظ. ثم عند البزَّار في هذه الرواية: عند الصدر، وفي «المصنَّف» لابن أبي شيبة: تحت السُّرَّة، فاضْطَربت الروايةُ جدًا. وأول من نبَّه على تلك الزيادة الأخيرة العلامة القاسم بن قُطْلُوبُغَا. ثم إن لفظ: «تحت السُّرَّة» (٢) لم يوجد في بعض نسخه، فظنَّ المُلاّ حياة السِّنْدِهي أنه وَقَعَ فيه سقطٌ وحذفٌ، ثم صار متن الأثر مرفوعًا.

قلتُ: ولا عجبَ أن يكون كذلك، فإِني راجعت ثلاث نَسُخ «للمصنف»، فما وجدته في واحدةٍ منها. والحاصل أن رواية وائل رواها غيرُ واحدٍ، ولم يَرْوِها أحدٌ على لفظ ابن خُزَيْمَة، وإنما زادها راوٍ بعد مرور الزمان، فهو ساقطٌ قطعًا، فلا يجمد عليها مع فقدان العمل به. ثم إن الشيءَ قد يكون مسمَّى، ولا يكون مدارًا للعمل. قال تعالى: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ: ٤٦] ومعلوم أنه لم يذهب أحدٌ إلى أن المأمورَ به هو القيام كذلك، بل معناه منفردًا أو جماعةً. وحينئذٍ لو سلَّمنا تلك الزيادة لم يَلْزَم كون المراد به الوضع على الصدر، بل المراد ما ذكرنا أي الوضع على خلاف الإِرسال.


(١) قلتُ: ولذا لم يذكره الترمذيُّ مذهبًا لأحدٍ من الصحابة، بل قال: والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم: يَرَوْن أن يضعَ الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضُهم أن يضعهما فوق السُّرَّة، ورأى بعضُهم تحت السُّرَّة، اهـ. ولم يذكر منهم أحدًا ممن كان يضعُ على الصدر. ثم العجب أنه لم يَعْقِد لهذه المسألة بابًا لا للحجازيين ولا للعراقيين، وذلك لأنه عَلِمَ أن الأمرَ فيه سهلٌ، وإنما عَنَى به الوضع على خلاف الإرسال لا غير، ولذا بوَّب لوضع اليمين على الشمال فقط، فصنيعه هذا يحقِّق ما ذكره الشيخُ رحمه الله تعالى.
(٢) قلتُ: قال مولانا العلَّامة ظهير أحسن رحمه الله تعالى في رسالته بالهندية: "الدرة الغرة في وضع اليدين تحت السُّرَّة": قال العلَّامة حياة السندهي في رسالته "فتح الغفور": إن لفظ: "تحت السُّرَّة" ليس فيما رأيتُ من نسخة ابن أبي شَيْبَة، ولا بُعْدَ أن يكون أثرُ النَّخَعِي الذي بعده قد اختلط على الكاتب فكتبه مع المرفوع، وجوابه أن تلك الزيادة قد وُجِدَت من نَسْخِهِ، كما قال تلميذه الملا قائم السندهي في "فوز الكرام": أن هذه الزيادة في أكثر النُّسخ صحيحةٌ، ثم كتب ورأيته بعيني في نسخةٍ صحيحةٍ: قال العلَّامة ظهير احسن رحمه الله تعالى: إن تلك الزيادة ثابتةٌ في النسخة الموجودة في القبة المحمودية بالمدينة الطيبة، ثم نقل عن العلَّامة القاسم: أن سنده جيدٌ كما في "تخريج أحاديث الاختيار"، والعلَّامةُ القاسم رحمه الله تعالى شيخٌ للسَّخَاوي، والقَسْطَلَاني. وكذا نَقَلَ عن العلَّامة عابد السندهي: أن رجاله ثقات كما في "طوابع الأنوار". وهكذا قال العلامة محمد أبو الطيب المدني: إنه حديثٌ قويٌّ، ثم بعد نَقْل هذا التوثيق لم يَرْتَضِ به العلَّامة ظهير أحسن رحمه الله تعالى، وذَهبَ إلى أن تلك الزيادة معلولةٌ، وقرَّره فراجعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>