للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ». وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ «يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ». وَتَابَعَهُ مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ». وَتَابَعَهُ أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ. أطرافه ١٠٤٠، ١٠٦٢، ١٠٦٣، ٥٧٨٥ - تحفة ١١٦٦١ - ٤٥/ ٢

١٠٤٨ - قوله: (إيتانِ مِنْ آياتِ اللَّهِ) فإن قلت: إنَّ الكُسوفَ والخُسوفَ من أسبابٍ معلومةٍ، وحسابٍ معلوم لا تخويفَ فيهما أصلا، فما معنى كونهما آيتينِ؟

قلتُ: هو في غاية الجهل، فإنَّ الأشياءِ كلَّها بالأسباب. وحينئذٍ حاصلُهُ أن لا يتعلق التخويفُ بشيءٍ، ولكن ينبغي للمُعْتَبرِ المُتَبَصِّرِ أن يَعْتَبِرَ بتصرُّف الرياح، وتَقَلُّبِ الليل والنهار، وجريان الفُلْك في البحار، وقيامِ السماء بدونِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، بلى إنَّ في ذلك لآياتٍ لأُولي الأبصار وينبغي للخائف الخاشع أن يخشى عند كلِّ حادثةٍ تَحْدُث على خلاف الأصول العامّة، ولا يبحث عن قاعدتِهِ وإن كانت داخلةً تحت أصلٍ في نَفْس الأمر لا محالة، وذلك لأنَّ اللَّهَ فَعَّالٌ لما يريد، فسلسلةُ الأسبابِ كلّها مقهورةٌ تحت الإرادة، فهو اللَّهُ سبحانه إن شاء جعل عليكم الليل سَرْمدًا إلي يوم القيامة، مَنْ إلهٌ غيرُ الله يأتيم بضياءٍ أفلا تَسْمَعون، بل فاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تخشاه.

ثم اعلم (١) أنَّ القرآنَ ربما لا يتعرضُ إلى أسباب الأشياء في نفس الأمر ما هي؟ وكيف هي؟ ويمشي على الظاهر فقط، لأنها تحتاجُ إلى ممارسةِ علم ومزوالةِ فنونٍ، ثُم فكر بعد فكر، وبعد ذلك أيضًا يجري فيها اختلافُ الآراء وفَحْصُ العلماء، فلَوْ بَحَث القرآنُ عنها لربما اختل طريقُ الهداية، ولم يَبْق فيه حَظُّ للعَوام، فإنَّ الإنسان فُطِر على الاعتماد على تحقيقه فيما أمكن التحقُّق منه. بل فيما لا يمكن أيضًا، فلو بنى القرآنُ كلامَه على حركةِ الأرض مَثلا لكذَّبته فِرَقٌ من الناس الذين يعتقدون بِحرَكَةِ الفُلْك.

وقد وقع مِثْله حيثُ جَرَت عليه المناهضةُ إلى مئتي سنة ونَيِّف حين حقق علماء أوروبا


(١) يقول العبد الضعيف: ولذا قال تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] ولم يذكر لها حقيقة. وعليه أجوبةُ القرآن التي لا تُطابِقُ الأسئلةَ في الظاهر. فإِنه صفح عن الجواب المطابِقِ لِمِثْلِ هذه المصالح، وانتقل إلى بيانِ ما يناسِبُ لهم سؤالُهُ كما حَرَّرَهُ المفسرون. ثم يظهرَ أن القرآن أرَاد استئصالَ الأسبابِ دون تأسيسها، وعَلَّم الناسَ أن لا يعتمدوا عليها وأن يكونوا عبادًا لله، مخلصين له الدِّين، ومَنْ يَقْصُر نظرُه على الأسباب يقِلّ اعتمادُه بمسَبِّب الأسباب، ومَنْ توكَل على رَبه تَفْتُر رَغْبتُه في مزاولةِ الأسباب لا محالة، وعند ذلك تَغْلِب فئةٌ قليلةٌ على فئةٍ كثيرة بإذْن الله لا بقوةٍ من عندهم، نعم قد تكونُ لهم قوة وشَوْكةٌ ومن آلاتِ الحرب كلِّها والإِعجاب بها تأتيهم الهزيمةُ مِن كلِّ مكان، وهو قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: ٢٥] ... الخ، لا أريدُ بذلك هَدْر الأسباب رأسًا، بل أريدُ عدمَ الاعتماد عليها بحيث ينقطع النظر عن خالقِهِا، ولذا نهى عن الكي، فلو تَوَجه القرآنُ إلى بيانِ أسباب الأشياء لدلَّ على اعتنائه بها، مع أن الأصْل عدمُ الاعتماد عليها. وإنما هي لتمشيةِ نظامِ العالم فقط، فهي كلُّها تحت الارادةِ تُؤثِّر عند إرادةِ التأثير، وتتعطلُ عند إرادةِ التعطيل، والله تعالى أعلم بالصَّواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>