هذه قسمةُ لم يُرَد بها وَجْهُ اللَّهِ - والعياذ باللَّه - ولما قال عمرُ رضي الله عنه: دَعْني أَضْرِبْ عُنُقَ هذا المنافق. قال:«لَعلَّه يخرجُ من ضِئضِىءِ هذا رجالٌ يقرأونَ القرآن لا يجاوِزُ حناجِرَهم». فلم يقتله، والسِّرُّ فيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم إذ يخبرهم بأمر بنفسه يناسِب له أن يراعيه، فإِنه إِذا أخبرَ أن عيسى عليه السلام يَقْتُلُ الدجَّال (١) يناسِب له أَن لا يتولى قَتْلَه بنفسه، وإِذا أخبر أنه يخرج منه قومٌ كذا، ناسب له أن لا يستبيحَ بَيْضَتَهُم. فهذا عملٌ بالتكوين وذا لا يناسبِ إِلا للنبيِّ خاصَّةً.
قوله:(آمَنْتُ باللَّهِ ... ) إلخ. وإِنَّما لم يتوجه لجوابه صراحةً تصغيرًا لأَمْرِه، وتَوجَّه إلى ما يليقُ بِشَأنِه على حَدِّ قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)} [يس: ٢٢].
قوله:(يَأتيني صَادِقٌ وَكَاذِبٌ ... ) إلخ. وهذا هو شَأنُ الكُهان.
(١) وهناك خبرٌ غريبٌ أخرجه الحافظ العيني في "شَرْح البخاري" قال في ذَيْل كلامه على وحدة الدجَّال المعهود وابن صَيَّاد: والثاني: مما يستنبط منه ومن غيره من الأَحاديث الواردة في هذا الباب هو: أَن ابن صَياد إذا كان هو الدجال كيف كان حاله حتى بقي إلى وقت خروجه في آخر الزمان؟ قال صاحب "زهرة الرياض": رأيت في "أمالي" القاضي الإمام أبي بكر محمد بن علي بن الفَضل الورنجري بإِسناده عن أبي هريرة قال: "بينا رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يصَلي صلاةَ الدَاةِ -هكذا في الأصل، ولعل الصواب: الغداة- فلمَّا سَلم استقبَل أَصحابَه بِوَجهِه يحدِّثُهم إذ أقبلَت صيحةٌ شديدةٌ بناحيةِ اليهود، وما سمِعنا صيحة أشد منها، فأرسل رجلًا ليأتينا بالخبر. قال: فما مكث حتى رجع وقد تغير لونه، فقال: يا رسول الله أَما عَلِمت أن البارحةَ ولِد ولدٌ في اليهود، وأنه غَضِب وتَزَبد حتى امتلأ البيت منه. وقد ضَم أمه مع سريرها إلى زاوية البيت، ورَفَع السقف على حيطانها، وهم يخافونه. فاسترجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "أخاف أنه دجالٌ"، فلما مضت سبعة أيام قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصَحابه: أَلا تمضون بنا إلى هذا المولود. فإذا الدجال على رأسِ نخلةٍ يلتقط رُطبا ويأكله، وله همهمةٌ شديدةٌ وأمه جالسةٌ في أَصل النخلة، فلما رأتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - نادته: يا ابن الصائد، هذا محمدٌ قد أقبل. قال: فسكَت وترك الهمهمة. قال: فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل الدجَّال من النخلة، واتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأَصحابه: اسمعوا إلى مقالته وأنا أَسأله. ثم قال: "أَتشهد أني نبيٌّ"؟ وقال له الدجال: آَتشهد أَني نبي؟ ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أَصحابه. قال: فقامَ عمر رضي الله عنه فضرب بالسيفِ على هامتِه، فنبا السيف كأنه قد ضُرب على حَجَر. ثم رجع السيف فشج رأس عمر. قال: فوقع عمر صريعًا جريحًا يسيل الدم من رأسه. قال: وقام الدجال على رأسه يسخر به ويستهزىء به حتى ورد الخبر إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مسرعًا حزينًا حتى أَتى إلى عمرَ رضي الله عنه. فقال: "ما الذي دعاك إلى هذا"؟ فأخبره بما جرى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا عمرُ إِنك لن تستطيع أن ترد قضاء الله تعالى. قال: فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدَه المباركةَ على رأسِ عمرَ رضي الله عنه فدعا اللهَ فالتحمَ الجُرْحُ بإذن الله تعالى. وقال عمر: يا رسولَ الله وَددت أن يرفعه الله تعالى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتحِب ذلك"؟ قال: نعم. قال: "اللهم افعل" فنزل جبريلُ عليه الصلاة والسلام في قطعة مِن الغمام كشِبه التُّرس، فنزل على رأس الدجال وهو جالِسٌ في وسط اليهود فأخذ بناصيتِه وجَذَبه عن ظهر الأَرض وأُمه وأَبوه وقومه ينظرون إليه ويبكون عليه، فرفعه جبرائيلُ عليه الصلاة والسلام فألقاه إلى جزيرة في البحر إلى قومِ تميم الدَّاري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخبره بخبرِهِ. وأخرج مسلمٌ حديثا طويلًا عن فاطمةَ بنتِ قَيس وكانت من المهاجرات الأول، وَفيه: أن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًا فبايع وأسلم. وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجَّال: حدثني أنه ركِب في سفينةٍ بحريةٍ مع ثلاثين رَجلًا من لَخم وجُذَام، فلَعِب بهم الموج شهرًا في البحر، ثُم ارموا إلى جزيرةٍ في البحر الحديث. وفيه خبرُ الدجال ودابة الجساسة. وقال البيهقي: مَنْ ذهب إلى أن ابن الصيَّاد غير الدجال احتج بحديثِ تميمٍ الدَّاري في قصة الجاسّة، "عمدة القاري".