قوله:(خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ) وهذا أصلٌ عظيمٌ أن لا تَخْلُيطَ في أنباءِ المرسلين، بخلاف الدجاجِلَةِ والكهانِ، فإِنَّهم يَخْلِظون بين الحقِّ والباطل.
قوله:(هو الدُّخُّ) واتفق الشارِحون على أنه كان خبأ له الآية: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: ١٠]. ثُمَّ قيل: إنه اطلع عليه لاستراقها إبليس، وإلقائها عليه. قلت: لا حاجةَ إلى هذا العُذْر، بل الكَهَانَة قد تكون فِطْريةً كما ذكره ابن خَلْدُون. ثم ذَكَرَ العلومَ التي لها دَخْلٌ في اكتساب المغيبات. فالأنبياءُ عليهم السلام يُوحَى إليهم، والكُهان أيضًا تلقى في نفوسهم أشياءُ ناقصةٌ غير أنه لا يوثَقُ بها لبناءِ أَكْثَرِها على الكذب، بخلاف أنباء المرسلين، فإِنَّهم يَحْكُونِ عن الأَصْلِ، فلا تحتمل الكَذِبَ أصلا. ومرَّ عليه الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى وقال: المرادُ به أَني أرى شيئًا كالدخان، وفي الحديث: «أن عَرْشَ إبليسَ على الماء، فلعلَّه رأى شيئًا عليه عَرْشُ إبليس. قلت: وتجلَّى الربُّ مَجْدُه لما كان في الضبابة جعل يَحْكي عنه وجلس في الدُّخِّ فإِنه أيضًا كالضبابة.
قوله:(إنْ يكن هو ... ) إلخ. وفي «الفتح» روايةٌ أنَّ قَتْله قَدَرٌ على يَدِ المسيح عليه السلام. وهذا الآخر الزنيم لعين القاديان يَزْعُم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم تُكْشف عليه حقيقةُ الدَّجَّال كما هي - والعياذ بالله، ولا يَدْري أن قولُهُ: إن يكن هو ليس للشك بل هو على حد قوله: {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}[الزخرف: ٨١]، وإنما يخرجُ التعبيرُ هكذا حيثُ يقصد إبرازُ الجزء الواحد على طريق الضابطة الكلية، فتأتي فيه العبارةُ كما ترى. أو كقوله في المُحَدَّث:«إنْ يكن من أمتي أَحَدٌ فَعُمَر» - أو كما قال، ويجيءُ تحقيقُه إن شاء الله تعالى.
وفي البخاري تَصريحٌ بأنه كان يَعْلم أنَّ ابن صَيَّاد لم يكن الدجَّالَ الأكبرَ، كما في الجهاد. وفي «مصنف عبد الرزاق»: «أيُّها الناسُ إنَّ ابنِ صَيَّاد ليس الدجَّال الأكبر» - وفيه قال: أكثرَ الناسُ في مُسَيْلمةَ قبل أن يقولَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فيه شيئًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنَّه كَذّابٌ بين ثلاثينَ دجالا، يخرجون بين يَدَي المسيح». فالثلاثون مقيَّدُون بهذا القيد، ويمكن أن يكونَ بعده عليه الصلاةُ والسلام أيضًا دجَّالون آخَرُون. وحينئذٍ لا تعارُض بين الأحاديثِ المتعارضة في عدد الدَّجَاجِلَة. فإِنَّ بعضَها فيمَن يظهَرُون قَبْله عليه الصلاة والسلام.
قوله: وآخرون فيمن يخرجون بعده والأمر عند الله تعالى «يختل» داؤ كرنا.
١٣٥٥ - وَقَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، يَعْنِى فِى قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ يَا صَافِ - وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -. فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ». وَقَالَ شُعَيْبٌ فِى حَدِيثِهِ فَرَفَصَهُ رَمْرَمَةٌ، أَوْ زَمْزَمَةٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَلْبِىُّ وَعُقَيْلٌ رَمْرَمَةٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ رَمْزَةٌ. أطرافه ٢٦٣٨، ٣٠٣٣، ٣٠٥٦، ٦١٧٤ - تحفة ٦٩٩٠، ٦٨٠٧، ٦٩٣٢، ٦٨٤٩، ٦٨٨٩ - ١١٨/ ٢