للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وغيرها، حتى لو كانت أربعون شاة لأربعين رجلا، وكانت متحدة في الأشياء التِّسع تجبُ فيه شاة واحدة أيضًا.

ثم اختلفَ هؤلاءِ في اشتراط النِّصاب لكلَ وعدمهِ، فَنَفاهُ الشافعي، كما عرفت من المثال المذكور. واعتبره مالك، فلا يجب عنده في الصورة المذكورة شيء ما لم يكن عند كل منهما نصاب تامٌّ. وأما عند الحنفية، فلا عبرة بالاتحاد في هذه الأشياء، ولا تأثيرَ له، وإنما الاعتبارُ بالمِلك. ويُسمَّى الأول بخُلطَةِ الجِوار، فإِنها ليست بخُلطة في الحقيقة، وإنما اعتبرت من جهة المكان، فنسبت إليه، وإنما تصح هذه الخُلطة عندهم عند الاتحاد في الأشياء المذكورة، ويُسمَّى الثاني بخُلطة الشُّيوع، وهي الخُلطة بحَسَبِ المِلك، فإذا كانت لرجلين ثمانون شاة، وليست بمُتَميزة في الأَملاك، تجبُ فيها شاتان عندنا.

ونقَّح بعضهم الخلاف المذكور بأنَّ الزكاةَ عند الجمهور على القطائع، وعند الحنفية على الملاك. وتمسك الجمهور بالحديث المذكور، فإنَّه يدُل على أنَّ الجمعَ والتفريقَ بحَسَبِ المكان مؤثرٌ، ولذا نهى عنهما. فأجاب عنه الحنفية، وقالوا: معناه عندنا: «لا يجمع بين متفرق»، أي


= وأما مالك فمذهبه في ذلك أنَّ تفسير قول عمر: "لا يُفرق بين مجتمع"، أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما في ذلك ثلاث شياه، فإذا أظلهما المُصَّدِّق فرَّقا غنمهما، فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة. فنهى عن ذلك. قال مالك في الخليطين: إذا كان الراعي واحدًا والمراح واحدًا، والدلو واحدًا، فالرجلان خليطان، ولا تجبُ الصدقة على الخليطين حتى يكونُ لكل واحدٍ منهما ما تجب فيه الصدقة.
تفسير ذلك: أنه إذا كان لأحدِ الخليطين أربعون شاة، وللآخر أقل من أربعين شاة، لم يكن على الذي له أقل من أربعين شاة صدقة، وكانت الصدقة على الذي له أربعون. وإن كان لكل واحد منهما من الغنم ما تجب فيه الصدقة جميعًا، فكان لأحدهما ألف شاة أو أكثر، أو أقل، فما تجب فيه الصدقة، وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادَّان بينهما بالسوية على الألف بحصتها، وعلى الأربعين بحصتها -يعني من الزكاة- التي تجب فيها لو كانت لواحد. وهذا مما لا إشكال فيه، لأنه لا يخلو من أحد وجهين:
إما أن تكون الخلطة لها معنى، ويرجع الخليطان فيها إلى أن يكونا كالرجل الواحد، فيكون القول في ذلك ما ذهب إليه الشافعي فيه، أو تكون الخلطة لا معنى لها، ويكون الخليطان بعدها، كما كانا قبلها، فيكون على كل واحد منهما في غنمِهِ ما يكون عليه فيها، لو لم يكن بينه وبين غيره فيها خُلطة، فيكون الأمر في ذلك كما قاله أبو حنيفة، والثوري فيه. ثم يرجع إلى ما قد ذكره الشافعي في الخليطين، أنهما وإن عَرَف كل واحدٍ منهما ما له بعينه أن تكون فحولهما واحدة، ومسرحهما واحدًا، وسقيُهما واحدًا، أنهما يكونان بذلك خليطين، فكان هذا مما لا نعقله، وكيف يكونان خليطين، وكل واحد منهما بائن بمالِهِ من مال صاحبه؟!
فإن قيل: فالخلطة في الفحول، وفي المراح، وفي الأشياء التي ذكرناها، قيل له: وهل الزكاة في تلك الأشياء؟ إنما الزكاة في المواشي أنفسها، وليسا خليطين فيها، وقد تقدَّمَك وتقدَّمَنَا من أهل العلمِ مَنْ خالف ما ذهبتُ إليه فيه من ذلك، ما روي عن طاوس، قال: إذا كان الخليطان يعرفان أموالهما فلا يجمع بينهما في الصدقة، فأخبر بذلك عطاء، فقال: ما أراه إلا حقًا، فلم يُراعيا في ذلك حلبًا، ولا فحلًا، ولا سقيًا، ولا مُرَاحًا، ولا دلوًا؛ ولا يقال: ينبغي إذا لم يَعرِفا مالَهما أن يُجمع بينهما في الصدقة، لأنه يحتمل أن يُجمع بينهما حتى يؤخذ أخذًا واحدًا، لم يتراجعا بينهما في المأخوذ منهما، وبه نقول.
وراجع كلام ابن رشد من "البداية" من: ص ٢٢٥ إلى: ص ٢٢٦، فإنه أيضًا يحتوي على فوائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>