تفسير ذلك: أنه إذا كان لأحدِ الخليطين أربعون شاة، وللآخر أقل من أربعين شاة، لم يكن على الذي له أقل من أربعين شاة صدقة، وكانت الصدقة على الذي له أربعون. وإن كان لكل واحد منهما من الغنم ما تجب فيه الصدقة جميعًا، فكان لأحدهما ألف شاة أو أكثر، أو أقل، فما تجب فيه الصدقة، وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادَّان بينهما بالسوية على الألف بحصتها، وعلى الأربعين بحصتها -يعني من الزكاة- التي تجب فيها لو كانت لواحد. وهذا مما لا إشكال فيه، لأنه لا يخلو من أحد وجهين: إما أن تكون الخلطة لها معنى، ويرجع الخليطان فيها إلى أن يكونا كالرجل الواحد، فيكون القول في ذلك ما ذهب إليه الشافعي فيه، أو تكون الخلطة لا معنى لها، ويكون الخليطان بعدها، كما كانا قبلها، فيكون على كل واحد منهما في غنمِهِ ما يكون عليه فيها، لو لم يكن بينه وبين غيره فيها خُلطة، فيكون الأمر في ذلك كما قاله أبو حنيفة، والثوري فيه. ثم يرجع إلى ما قد ذكره الشافعي في الخليطين، أنهما وإن عَرَف كل واحدٍ منهما ما له بعينه أن تكون فحولهما واحدة، ومسرحهما واحدًا، وسقيُهما واحدًا، أنهما يكونان بذلك خليطين، فكان هذا مما لا نعقله، وكيف يكونان خليطين، وكل واحد منهما بائن بمالِهِ من مال صاحبه؟! فإن قيل: فالخلطة في الفحول، وفي المراح، وفي الأشياء التي ذكرناها، قيل له: وهل الزكاة في تلك الأشياء؟ إنما الزكاة في المواشي أنفسها، وليسا خليطين فيها، وقد تقدَّمَك وتقدَّمَنَا من أهل العلمِ مَنْ خالف ما ذهبتُ إليه فيه من ذلك، ما روي عن طاوس، قال: إذا كان الخليطان يعرفان أموالهما فلا يجمع بينهما في الصدقة، فأخبر بذلك عطاء، فقال: ما أراه إلا حقًا، فلم يُراعيا في ذلك حلبًا، ولا فحلًا، ولا سقيًا، ولا مُرَاحًا، ولا دلوًا؛ ولا يقال: ينبغي إذا لم يَعرِفا مالَهما أن يُجمع بينهما في الصدقة، لأنه يحتمل أن يُجمع بينهما حتى يؤخذ أخذًا واحدًا، لم يتراجعا بينهما في المأخوذ منهما، وبه نقول. وراجع كلام ابن رشد من "البداية" من: ص ٢٢٥ إلى: ص ٢٢٦، فإنه أيضًا يحتوي على فوائد.