للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

باعتبار المِلك، فإذا كان المِلكُ متفرِّقًا لا يُجمع، كخمسٍ من الإِبل لرجلين، وحال عليها الحول، فلا يجعلها المُصَّدِق كملك رجلٍ واحدٍ، لتجبَ عليه الصدقة، فحملوه على خُلطة الشُّيوع.

١٤٥٠ - قوله: (خشية الصدقة)، والخشيةُ خَشْيتان: خشيةُ السَّاعي، وخشية المالك. وكذلك النهيُ نهيان: النهي عن جمعِ المتفرِّق، والنهيُ عن تفريق المجتمع، فحصل من ضربِ الاثنين في الاثنين أربعة أقسام: النهيُ عن جمع المتفرقِ للساعي والمالك، وكذلك النهيُ عن تفريق المجتمع لهما.

مثال الأول: كخمس من الإِبل بين اثنين، وحال عليها الحولُ، وأراد الساعي أن يأخذ منها الصدقة، فجمع بين المِلكين، وعدَّهما كملكِ رجلٍ واحدٍ، ليس له ذلك.

ومثال الثاني: كثمانين من الغنم بين رجلين، فأراد أن لا تجب عليهما إلا شاة واحدة، فجعل مِلكاهما كمِلك رجلٍ واحدٍ، لتتغيَّرَ الفريضةُ من شاتين إلى شاة واحدةٍ، ليس لهما ذلك.

ومثال الثالث: كان لرجلٍ واحدٍ ثمانون شاة، - أي مجتمعة - في مِلكِ رجلٍ واحد، وأراد السَّاعي أنْ يأخذ منها شاتان، فجعلها كأنها في مِلكِ رجلين ليس له ذلك.

ومثال الرابع: كان لرجل أربعونَ شاةً، فأراد أنْ لا تجبَ عليه الصدقةُ، فجعلها كأنها في مِلك رجلين ليس له ذلك. ولعلك علمتَ منه النهي في الحديث، يصلح أن يكونَ للساعي، أو للمَالك، أو لكليهما، على مختارِ الحنفية (١).

قوله: (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) أي إذا حضر الساعي بعد تمام الحول، فإِنه يأخذُ الواجبَ من المجموع، ولا ينتظرُ تقسيمَهما، ولكن على الخليطين أنْ يتراجعا بينهما بحَسَبِ الحساب. مثلا: لو كان بين رجلين إحدى وستون إبلا: ست وثلاثون سهمًا منها لواحد، والباقي للآخر، فجاء السَّاعي وأخذ بنتُ لَبُون ممن كان له ستٌّ وثلاثون سهمًا، وبنت مَخَاض ممن كان له خمس وعشرون سهمًا، فإنَّهما يتراجعان بينهما، فإن كلَّ ما يأخذُه الساعي يكون مشتركًا بينهما بهذه النِّسبة، فيجب على مَنْ له ستٌ وثلاثون سهمًا أنْ يردَّ خمسًا وعشرين من بنتِ اللَّبُون إلى صاحبه، وكذلك يجبُ على صاحبه أن يردَّ ستًا وثلاثين سهمًا من بنت المَخَاض إلى صاحبه. ولعلك فهمت منه أن التراجُعَ يستقيمُ على مذهبنا أيضًا.

وابن حزمٍ لما لم يُدرك حقيقةَ مذهب أبي حنيفة رحمه الله زعم أن التراجعَ لا يَستقيمُ على مذهبنا. بل أقول: إنه أصدقُ على مذهبنا، فإنَّ الزكاة عند الجمهور على القطائع، فالنصابُ في


(١) يقول العبد الضعيف: وتفصيلي الأمثلة أخذته من "البدائع". قال القاضي أبو بكر بن العربي: عندي أن المخاطبَ الطائفتان جميعًا، فلا يحل لرب المال أن يُفرِّق غَنَمه من خليطِهِ لثقل الصدقة، أو يجمعها لذلك، ولا للساعي أن يُفرِّق جملةَ الغنم المجتمعة لتكثُرَ له الصدقة. يُبيِّنُ ذلك قوله في الحديث: "مخافة الصدقة". وقال أبو حنيفة وأصحابه: المخاطَبُ الساعي، لأن الخُلطة عنده لا تؤثر. اهـ. قلت: وقد علمتَ أن الأمرَ خلافُ ما نسبَه القاضي إلى إمامنا الأعظم.

<<  <  ج: ص:  >  >>