للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصورة المذكورة عندهم واحدٌ، والواجبُ فيه عندهم الجَذَع، فيأخذه الساعي، ويرجع صاحب الجَذَع على الآخر بقدر حصة، فإِن الجَذَعَ على هذا التقدير ليس مشتركًا بينهما لعدم الشركة ملكًا، بل ذهبَ من واحدٍ منهما، فيرجع مالكه على صاحبه بقدر ما أدى عنه لا محالة، وحينئذ لم يصدق التفاعل، فإِنه يقتضي الشركة في الفعل، ولا رجوعَ ههنا. إلا من جانبٍ واحد، وهو مالك الجَذَع.

أما على مذهبنا فالتفاعل على ظاهرها، كما علمت، فيلزمُ عليهم أن يأخذوا التفاعلَ باعتبار اختلاف الأزمان، أي قد يرجع هذا على هذا، وقد يرجع ذلك على هذا، فإنَّ الواجبَ الذي أخذه مالكٌ قد يكون مِلكًا لهذا، وقد يكون مِلكًا لذلك، وكل من يكون له الملك يرجع على صاحبه، فاستقام التراجع على مذهبهم أيضًا. إلا أنه بنوع من التأويل، وهو صادق على مذهبنا بدون كُلفة. وراجع الأمثلة من قاضي خان. وأما ما في الحواشي فهو مثال على مذهب الشافعية.

والحاصل: أن الجمهور أخذوا القِطعتين في خُلطة الجِوَار (١). والحنفيةَ حملوها على خُلطة الشُّيُوع، فوقعوا في بُعدٍ من ألفاظ الحديث. فإنَّ الجمعَ والتفريقَ لا يتبادرُ منه إلا ما كا بحسَبِ المكان، ولا يأتي هذا التعبير في الجمع والتفريق مِلكًا، فأقول: إن الجملة الأولى في خُلطة الجوار، كما قالها الشافعية. والثاني: في خُلطة الشيوع، فَوَافقتُهم في التعبير، وخالفتهم في المسألة، بأن النهيَ عن خُلطة الجِوَار عندهم لكونها مؤثرًا. وقلتُ: بل لكونها مفضيًا إلى التخليط والتلبيس في الحساب، فإنَّ الشياه إذا كانت ترعى في مراعي مختلفة، فجمعها في مرعىً واحد لا يُوجب ذلك تغييرًا في الفريضة أصلا لكنه فعلُ لغوٍ لا فائدةَ فيه. نعم، ربما أمكن أن يفضي إلى التخليط في الحساب، فنُهي عنه. وأما عند الجمهور فالنهيُ عنهما لكونهما مؤثرين في تغيير الفريضة، على ما علمت تفصيلَه.

وأما الجملة الثانية فقد أخذتُها في خُلطة الشُّيُوع، وإنما حملني على هذا الفك تغاير شاكلتي الجملتين، فإنَّ الظاهر أنه موضعُ الإِضمار، لمضي ذكر الخليطين قبل ذلك، فينبغي أن يكون: وهما يتراجعان بالسوية، ولكنه وضع المُظْهَرَ موضع المُضْمَرَ، وعبَّر عنهما بالخليطين، فاستبان لي أن الأولى في خُلطة الجِوَار، والثانية في خُلطة الشُّيُوع.

قوله: (قال طاوس وعطاء: إذا علم الخليطان أموالهما فلا يجمع مالهما) أراد به نفيَ خُلطة الجِوَار، واعتبار الخُلطة باعتبار المِلك.


(١) قلت: ما كنتُ أفقه في العبرة بخلطة الجوار معنى، حتى رأيتُ القاضي أبا بكر بن العربي قرره في "شرح الترمذي" فحينئذ أدركتُ ما فيه من التفقه. قال: وقال أبو حنيفة: الخليط هو الشريك. وأما اجتماع الأموال مع انفصالِ الأملاك في الأعيان فلا تُراعى، وهي مسألة عسيرة لا يفهمها إلا مَنْ لَحَظَ الأحوال، وراعى الألفاظ. وذلك أن العادة جاريةٌ بين الناس بالاشتراك في الأملاك. وجارية في الاشتراك في المسارح والمساقي والمبارك، ثم اتفقوا بالإجماع على الراعي والدلو وفي الفحل ... إلخ. وحينئذ ظهر أن عبرةَ هذه الخُلطة باعتبار جَرَيان العُرف بينهم، وإلا فلا يظهر فيه معنى الخُلطة أصلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>