أي فكذلك الرِّقاب، بأن يؤدي عنه بدَل الكتابة، أو يعينَ عليه. والغارم: المديون، بشرط أن لا يكون عنده نِصاب. وعند الشافعي هو الذي تحمَّلَ غَرَامةً، وإن كان له مال. ويُعلم من كلام «البدائع»: أن تفصيل الشافعية محتملٌ عندنا أيضًا، فلتراجع عبارته.
واختلف أئمتنا في تفسير (في سبيل الله)، فقيل: مُنْقَطَع الغُزَاة؛ وقيل: مُنقَطَع الحجاج. والمراد منه عند البخاري جميع أبواب الخير، ولا يشترط فيهم الفقرُ عندنا أيضًا، ولا يُشترط عنده التمليك في الزكاة أيضًا. ولذا جوز الإِعتاق عن مال الزكاة، وعندنا يشترط التمليك. وفي «البحر» إن المراد من الإِطعام في القرآن هو الإِباحة، ومن التصدُّقِ التمليكُ. وراجع الفرقَ بين الإِباحة والتمليك من «شرح الوقاية» - من باب التيمم والعارية.
قوله:(في أيها أعطيت) ... إلخ، وهو مذهب الحنفية، فلا يُشترطُ عندنا صرفُها إلى جميع الأصناف.
قوله:(عن أبي لاس، حملنا النبي صلى الله عليه وسلّم على إبل الصدقة للحج)، قلنا: إن كان أُعطي لهم للركوب فقط، فذا جائز عندنا أيضًا، وإن كان ملَّكَهم، فراجعْ له الفِقه، فإِنه صحيحٌ أيضًا على مذهب أحد صاحبيه. والظاهرُ أنَّ فيه تمليك المنفعة دون العين.
١٤٦٨ - قوله:(ما ينقم ابن جميل) أي ما يُكْره أو (سكوابرانهين معلوم هوتا).
وقصته أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان دعا لسَعةِ ذات يده، - وكان في بؤسٍ وشدَّةٍ - فأغنَاه اللهُ تعالى ببركة دعائه صلى الله عليه وسلّم فكان يَحضُر الجماعةَ ما دامت سارحته وَسِعتها المدينة، فلما كثرتْ من ذلك جعل يسكُن البادية، وترك الجماعةَ، وكان يحضُر الجمعة فقط، فلما صارت أكثرَ من ذلك تركَ الجمعة أيضًا، حتى إذا جاءه ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلّم يطلبُ زكاةَ ماله، قال: إني لأراها جِزْيةٌ، فمنع النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أن تؤخذَ منه الزكاة، فلم تؤخذ منه حتى لم يأخذ منه الخلفاء أيضًا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
قلتُ: وكان ينبغي لابن جميل أن يؤديَ زكاتَه بنفسه، وإن كان الخلفاء لم يأخذوها منه، رجاءً من الله أن يتوب عليه. فإِن عدم قَبُوله صلى الله عليه وسلّم زكاتَه إنما كان لأمر تكويني، ولا يرتفع عنه التشريع. وقد قدَّمنا التنبيهَ على أن التشريعَ لا يرتفعُ بحال، وإن انكشف التكوين. وأجد أن بعضهم (١) لُعن من لسان
(١) ولم أتحقق عن الشيخ شيئًا في هذا البعض من هو، غير أني وجدتُ رجلًا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه: "بئس ابن العشيرة، وأخو العشيرة"، أخرجه الترمذي في "الشمائل" وغيره. وفي "المواهب اللدنية" أن الرجل هو عُيَيْنة بن حصن الفَزَاري، وكان يقال له: الأحمقُ المُطَاع، كذا فسَّره به القاضي عياض، والقرطبي، والنووي. وفي "التنبيه من شرح مُلا عبد الرؤوف المُنَاوي على الشمائل" قال القرطبي: في هذا الحديث إشارة إلى أن عُيينة خُتِمَ له بسوء، لأن المصطفى ذمه وأخبر بأن من كان كذلك كان شر الناس. ورده الحافظُ ابن حجر بأن الحديث ورد بلفظِ العمومِ، وشرطُ من اتصف بالصفةِ المذكورةِ أنْ يموتَ على ذلك. وقد ارتدَّ عُيينة، ثم أسلم، كما مر. وهذا أيضًا يكفي لإِيضاح ما قاله الشيخ إن شاء الله تعالى "جمع الوسائل".