وفي "التعليق الصبيح" قال أبو عُبيد: تأويلُه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر زكاةَ تلك السنةِ لعباسٍ، والسنة الثانية، لأن ما يؤدَّى في السنة الثانية زكاةُ السنتين الماضيتين. لما رأى احتياجَ العباس، وضيق يده. وقوله: "عليَّ"، يعني أنا ضامنٌ بوصولِ هذه الزكاة من العباس إلى المستحقين. وقيل: تأويله أنه عليه الصلاة والسلام أخذ زكاة سنتين من العباس قبل وُجُوبها، فلما طلب الساعي الزكاةَ من العباس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد وصلت إليَّ زكاتُه". اهـ. ثم نقل عن التُّورِبِشْتِي احتمالًا آخر، وهو أنه يحتمل أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استسلف منه مالًا ينفقه في سبيل الله، ثم يحتسب له من الصدقة عند حلولها. وقوله: "مثلها"، أي في كونها فريضة عام آخر. ولم يرد به المثلية في الأسنان والمقادير، فإن ذلك يتغيَّرُ بزيادةِ المال ونُقصانه، ولا يعرف ذلك إلا بعد دخول عام آخر ... إلخ. أما قوله - صلى الله عليه وسلم - في خالد" "فقد احتبس أدرَاعه وأعبُدَه في سبيل الله" فقال أبو عُبيد: إن فيه ثلاث سُنن: إحداهن: أنها مثل قِصة العباس في تقديم الزكاة. والثانية: أنَّه قَبِلَ الأدراع، والأعبُدَ عِوَضًا من الزكاة، لأن العبيدَ والدروعَ لا زكاة فيها. فقد عُلم أنه أخذَهَا مكان صدقةِ المواشي أو غيرها، كأخذ المالِ مكانَ غيره من الصدقة، إذا كان ذلك أوفقُ بالمأخوذ منه، وأصلحُ للمأخوذ له. والثالثة: أنه جعل صدقَتَه كلَّها في السبيل وحده، ولم يفرِّقْها في الأصنافِ الثمانية، فرضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحسَّنه. انتهى ملخصًا: ص ٥٩٣، وص ٥٩٤.