حَوَتْها أيدينا، وَوَجبَ فيها الخُمُس، لزمَ أن يجبَ الخُمُس فيما خلق فيها أيضًا، لأنها غنيمةٌ بما فيها، فالمناط مشتركٌ. هذا هو نظرُ الحنفية.
أما الشافعية فقرَّقُوا بينهما مع تسليم المناط، بأن الدَّفينَة تكونُ من جِهتهم، فيكونُ حكمُها حكم سائر أموالهم من وجوب الخُمُس فيها، بخلاف المَعْدِن، فإنَّه ليس من جهتهم، بل مخلوقٌ من الله تعالى، فكأن المناطَ لم يتحقق فيه عندهم. وعندنا تحقق في الموضعين، فوجب الخُمُس مطلقًا، فلا فرق في تحقيق المناط، بل في تحقُّقِه.
قوله:(وأخذ عمر بن عبد العزيز) ... إلخ؛ وهذا مُوَافقٌ للشافعية، فإنَّه لم يأخذ منه الخُمُس.
قوله:(وقال الحسن) ... إلخ، وهذا أقربُ إلى الحنفية، لأنه أوجبَ الخُمُس في الرِّكَاز مطلقًا، وما فرق به يوجب الخمسَ في مَعْدِن دار الإِسلام أيضًا. فإنَّ الأراضي لتقادُمِ العهد بالكفر كانت للكافرين، ثم تحولت إلى مِلك المسلمين، فحكمُها يكون كحكم الغنيمةِ، وإنْ وُجدَ فيها المَعْدِن في دار الإِسلام.
قوله:(فعرفها سنة) ... إلخ، أي إن ظن أن مالكَه مؤمنٌ. والحاصل أن الحسنَ لم يفرِّق بين ما يوجد في ظاهر الأرض، وما يوجد في باطنه، كما هو المذهب عندنا.
قوله:(وقال بعض الناس) ... إلخ، واعلم أن هذا أول موضع استعمل المصنف فيه هذا اللفظ، ولم يردْ به أبا حنيفة في جميع المواضع، كما زعم، وإن كان المراد ههنا هو الإِمام الهُمَام، بل المراد في بعضها: عيسى بن أبان، وفي بعضٍ آخر الشافعي نفسه، وفي آخر محمد. ثم لا يستعمله المصنف للرد دائمًا، بل رأيته قد يقول: بعض الناس، ثم يختاره، وقد يتردد فيه. وذكر المصنف في «كتابه» مالكًا باسمه، وكذا الشافعي، فإن المراد بابن إدريس ههنا هو الشافعي. ولم يسمّ أحمد إلا في موضعين، وابن مَعِين في موضع.
وحاصل إيراده أن أبا حنيفة استدل على مذهبه بالاستعمال اللغوي، فإنَّه يقال: أركَزَ المعدن فثبت منه إطلاق الرِّكَاز على المَعْدِن لغةً. وإذا ثبت كون المعدن ركازًا باللغة ثبت وجوبُ الخُمُس فيه بالنص، لقوله صلى الله عليه وسلّم «وفي الركاز الخمس». قال البخاري: ولو سلمناه لزمَ أن يجبَ الخُمُس في المالِ الموهوب والثمار والربح أيضًا بعين هذا البيان، فإنَّ الرجلَ إذا وهب مالا أو ربح فيه أو كثرت ثماره، يقال له: أرْكَزت، فأُطلق فيه الرِّكَاز على المال المذكور أيضًا، ولم يذهب أحد إلى وجوب الخُمُس في المال المذكور.
وأما تقرير المناقضة، فبأنه قال هذا البعض أولا: إن الخُمُس واجبٌ في المَعْدِن، لأنه رِكاز، وفي الرِّكَاز الخُمُس، ثم قال: لا يؤدي الخُمُس من الرِّكَاز، ولا بأس بكتمانه. والرِّكَاز عنده متناوِلٌ للمعدن، فصار مآله، إلا أنه لا يؤدي الخمس من المعدن.