قوله:(فلما قدمنا تطوفنا بالبيت) ... إلخ، بيانٌ لحال سائر الصحابة رضي الله عنهم، لا لحال نفسها، فإنَّها كانت حائضةً، لم تَطُف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة. وهو كحديث أبي هريرة في قِصة ذي اليدين:«صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وإنما أراد به صلينا نحن معاشرَ المسلمين، ولم يرد نفسه، فإنه أسلمَ السنةَ السابعة، وقِصة ذي اليدين متقدِّمة، كما ذكرها الطحاوي. ثم إن في قوله: «فلما قدمنا» ... إلخ، دليلٌ على أن هذا الطوافَ كان طوافُ العمرة، لا طوافَ الحج، وكذا في قوله:«وما طفت ليالي قدمنا مكة» ... إلخ، أيضًا دليلٌ على أنها لو أتت به في تلك الليالي لكان لها عمرةٌ كما كانت لسائر الناس، ولَمَا احتاجت إلى قضائها بعد الحج، وهذا استنباطٌ مني، واستحسنه مولانا وشيخنا، شيخ الهند.
قوله:(أو ما طفت يوم النحر) ... إلخ، يدل على أن طوافَ الصَّدَرِ سقط بالعذر.
واعلم أنَّ الحنفية قالوا: إنه لا فرق بين الواجب والفرض عملا، وليس بصواب عندي، لتطرُّقِ الأعذار إلى الواجبات دون الأركان، كما رأيت في طواف الصَّدر، فإنه يسقطُ لعلة الطَمْث، ولا تكون جناية، ولو كان ركنًا لما سقط، ولوجَبَ عليها أن تنتظرَه حتى تطهُرَ، فتأتي به، فظهر الفرقُ بينهما عملا أيضًا. وهكذا قال أرباب الفتاوى: إنه لو سها في العيدين، أو صلاة الخوف تسقطُ عنه سجدة السهو. وتردد صاحب «الدر المختار» فيما إذا وجب عليه السهو وطلعت الشمس قَبْله. وعندي يسقطُ عنه، فالواجباتُ تسقطُ عند الأعذار، بخلاف الأركان (مصعد) أي ذاهبٌ إلى خارج البلد، والهبوط ضده، أي الدخول في البلد.
١٥٦٢ - قوله:(فمنا من أهلّ بعمرة) ... إلخ، أراد به من حَلُّوا بعد عمرتهم، لأنه ذكرهم في مقابلة القارنين، وأنهم لم يحلوا.
قوله:(ومنا من أهل بالحج) ... إلخ، صريح في أنه كان منهم مفرِدُون أيضًا. وأنكر ابن تيمية أن يكون في تلك السنة مفردٌ، فحكم عليه بالوَهَم من رأيه فقط.
قوله:(وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحج) ... إلخ، واعلم أنَّ المدارَ فيه على النية فقط، ولا يجب التلفظ بما نوى في التلبية أيضًا، فيصح للقارِنِ أن يكتفيَ في تلبيتِهِ بالحج، والنية لا تُعلم إلا بالبيان من قِبَلِه. وحينئذٍ لا إشكال في بيان الأحوال المختلفة. وقوله فيما يأتي:«ولم تحلل أنت من عمرتك»، صريح في كونه قارنًا، ودلَّ أيضًا دَلالة لطيفة على أنَّه كان أتى بأفعال العمرة، إلا أنَّه لم يكن تحلل بعدها، وإلا لكان المناسب أن يقول: ولم تحلل أنت من عمرة، بدون الإِضافة، والإِضافة تدلُّ على أنها كانت، ثم لم يكن بعدها حِلٌّ. وفي مثله وصيةٌ عن عبد القاهر في «دلائل الإِعجاز» يأخذ على شعر المتنبي: