وتفصيله أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يردُ في حجَّة الوداع فسخ الحج إلى العمرة، وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - استيفاءَ أقسامِ الحج، وتعليمَ أحكامها. ولما لم يكن فيهم المتمتعون بغير سَوق الهدي، أحب أن يكون هذا النوع أيضًا، ولذا أمرهم بالحِلِّ، فلما لم يفعلوا للاستنكات عن الحل في أيام الحج، عزم عليهم، فكان أول أمرهم رخصةً، ثم صار عزيمةً عليهم، من حيث إنَّهم لم يمتثلوا أمرَه - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الذي سموه بالفسخ. لا أقولُ: إنهم لم يفسخوا حجهم، فإنه باطلٌ، بل أقول: إنهم لم يؤمروا بالفسخ، لكونه مقصودًا في هذه السنة، كما ذهب إليه الجمهور، أو مشروعًا للأبد، كما فهِمَه أحمد، بل المقصودُ كان استيفاءُ أقسام الحج، فاحتاج الناسُ إلى الفسخ بهذا، وكم من فَرق بين النظرين، وشتان بين مشرق ومغرب. ثم إنهم ما ذكروا من حكمة الفسخ ليس بسديدٍ عندي، فإنَّهم قالوا: إن العمرة في أشهر الحج كانت من أفجر الفجور عندهم، فأمرهم بالفسخ لرد هذا الزعم. قلت: ويا للعجب كيف! وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اعتمرَ قبله عدة عُمرات، وكلُّها كانت في أشهرَ الحج، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم أن يكون كبُرَ ذلك عليهم، بل الوجهُ أنهم استعظموا الحل، وهم على شَرَفِ الحج.