للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: لم يقل الإِمام بالبطلان بل بالكراهة. أما حال أراضيها فقد ذكره الطحاوي في باب فتح مكة، فقال: فأما أراضي مكة ... إلخ، وذلك لأنه علم أنَّ مسألةَ الأراضي غير مسألة الدور، والإِجارة، فذكرها في باب آخر. والحاصل: أنَّ بيعَ دُورها وتوريثها جائزٌ عندنا أيضًا.

١٥٨٨ - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ فِى دَارِكَ بِمَكَّةَ. فَقَالَ «وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ». وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِىٌّ - رضى الله عنهما - شَيْئًا لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَقُولُ لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٢] الآيَةَ. أطرافه ٣٠٥٨، ٤٢٨٢، ٦٧٦٤ - تحفة ١١٤

١٥٨٨ - قوله: (إن الذين كفروا) ... إلخ، قلنا: هذا في المسجد الحرام، فلا يتم حجةً علينا. ولعل أبا يوسف يقول بجواز بيع الأراضي أيضًا. أما المصنِّف فذكر الدّور، ولم يتعرض إلى الأراضي، فلعله اختار التفصيل الذي ذكرناه.

قوله: (وهل ترك عقيل) ... إلخ، واعلم أنه كان لأبي طالب أربعةُ بنين، فأسلم منهم علي وجعفر من قبلُ، وعقيل بعدهما، أما طالب فمات على الكفر. فلما هاجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم هاجر معه عليٌّ، وجعفر، وبقي عقيلٌ بمكة، فباع جميع دُور بني هاشم. واستدل منه المصنف على جواز بيع دور مكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم ينقض بيعه.


= على باب البيوع. يؤكد اتحادهما عنده، فلا أدري ماذا وقع مني من المحو، والإِثبات، فلينظر "معاني الآثار" (*).
أما أنا فقد أتيك ما وجدت فيه، ولكني لا أثقُ بنفسي. قال القاضي أبو المحاسن في "المعتصر": رُوي أن أسامةَ بن زيد قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتنزل في دارك؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع، أو دور؟. وكان عقيل ورثَ أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جَعْفر، ولا علي لأنهما كانا مسلمين، وكانا عقيل، وطالب كافرين.
وكان عمر يقول: "لا يرثُ المؤمن الكافر". قوله: وكان عقيل ... إلخ، ليس من الحديث، إنما هو كلام الزُّهري، ولهذا قال له موسى بن عُقبة: أفصُل كلامك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. احتج المحتجُّ بهذا على أن أراضيَ مكة مملوكةٌ، ولا حجة فيه، لأن إضافةَ الدارِ من أسامة إليه، وإضافته إياها إلى نفسه، قد تكون بسكناها لا على أنها مِلكٌ له، كإِضافته تعالى بيتَ العنكبوت إلى العنكبوت، ومساكنَ النمل إلى النمل، وكما يقال: باب الدار، وجُل الفرس، يؤيده أن إرث أبي طالب لا يرجعُ إلا إلى أولاده، وكذا مال عبد المطلب لا يرجعُ إليه - صلى الله عليه وسلم -، لأن أباه عبد الله مات قبل المطلب. اهـ.
(*) قلت: يُحتمل أن يكونَ أراد إمام العصر من الحوالة، التَّنبِيهَ على الفرق بين الدَّور وبين الأراضي، عند الإمام أبي حنيفة، ونوعَ تعقيب على ظاهرِ ما يُفهم من كلام الطحاوي. ثم تحقيقُ المذهب بالفرقِ بين بيع الدور وبين بيع الأراضي، وجواز الأول دون الثاني، فتأمله. وإذا لم يُفرق الطحاوي بينهما، فعدم جوازِ بيع الدور عند الإمام ظاهرٌ من كلامه، فالشيخ سلَّمه في الدور، ولم يُسلِّمه في الأراضي. (المصحح).

<<  <  ج: ص:  >  >>