للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خطبته: أنه قَسَمٌ لغوي لا شرعي، والمقصودُ في الأول تزيينُ الكلام لا غير، والمطلوبُ من الثاني التأكيدُ مع تعظيم المحلوف به، والممنوعُ هو الثاني دون الأول، والمذكورُ هو الأول دون الثاني. ثم عندي أنه ينبغي الحجرُ عنه مطلقًا سدًا للذرائع لئلا يتساهل فيه الناس.

بقي أن هذا الرجل حلف على ترك السنن والمستحبات فكيف هو؟ قلت: أولًا في بيان المسألة: إن الأمرَ مع الوعيدِ على الترك يفيدُ الوجوبَ عند ابن الهمام رحمه الله تعالى وابن نجيم كليهما، والمواظبة الكلية بدون الوعيد على الترك يفيد الوجوب عند ابن الهمام رحمه الله تعالى، والسنة عند ابن نجيم، والفعل أحيانًا مع الترك أحيانًا يفيد السنية عندهما (١).

وههنا اختلاف آخر: وهو أن ترك السنة يوجبُ العتاب أو العقاب؟ فذهب الشيخ ابن الهمام إلى أن ترك السنة عِتابٌ، وابن نجيم إلى أنه يوجب العقاب. قلت: ولعل النزاع لفظي، لأن السنة التي يجبُ بتركها العقابُ عند ابن نجيم، داخلة في الواجب عند ابن الهمام رحمه الله تعالى، والإثم بترك الواجبِ متفقٌ عليه، فحينئذٍ فالإثم فيه عند ابن الهمام لكونه تركًا للواجب عنده، وإن كان عند صاحب البحر تركًا للسنة المؤكدة، فالإثم عند ابن نجيم يكون على تركِ الواجب، وترك السنة المؤكَّدةِ كليهما، غير أنَّ الإثمَ في الأول أزيدُ من الإثم في الثاني، وأنا مع ابن نجيم رحمه الله تعالى في تلك المسألة. هذا إذا كان الاختلاف المذكور من تفاريع الخلاف الأول، وإن كان الاختلاف فيه مبتدئًا فله وجه، ولا أدخلُ فيه، فإنه حكمٌ بالتأثيمِ على جميع الأمة.


= قال ابن مَيَّادَةَ:
أظنت سفاها من سفاهة رأيها ... لأهجوها لما هجتني محارب
فلا وأبيها إنني بعشيرتي ... ونفسي عن ذاك المقام لراغب
وليس يجوز أن يُقسِمَ بأب من يهجوه على سبيل الإعظام لحقه.

وقال آخر لعبيد الله بن عبد الله بن مسعود أحد الفقهاء السبعة-:
لعمر أبي الواشين أيام نلتقي ... لما لا تلاقيها من الدهر أكثر
يعدون يومًا واحدًا إن لقيتها ... وينسون ما كانت على النأي تهجر

وقال آخر:
لعمر أبي الواشين لا عمر غيرهم ... لقد كلفتني خطة لا أريدها
وهناك جواب آخر للبيضاوي وحاصله: أن الأقسام في القرآن ليست لتعظيمِ المحلوف بِه، أعني به الأقسامَ العُرفية عند الفقهاء، بل مدخولُ الواو فيها شهادات لما يأتي بعدها فهي شهادات، وما بعدها مشهود عليه، لا حَلِفٌ عليه ليرد الاعتراض ومن شاء تفصيله فليراجع رسالة الحافظ ابن القيم رضي الله عنه في "أقسام القرآن" "قلت": ما ذكره صواب، وإذن فالخطأ من النُّحاة في التسمية، حيث سموها واو القسم، ولو كانوا سموها واو الشهادة لم يرد شيء، وبتسميَتهِم بواو القسم يتبادرُ الذهن إلى القَسَم المعهود، هكذا أفاده الشيخ رضي الله عنه. وسيأتي أيضًا.
(١) يقصد ابن عابدين رحمه الله تعالى وكتابه "رد المختار على الدر المختار"، المشهور بحاشية ابن عابدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>