عمرو بن الصلاح من جانب الشافعية كلامًا جيدًا، نقله الحافظ في «الفتح»، فراجعه.
قوله:(عَهِدَ إليَّ)، أي على طريقهم في الجاهلية في ادِّعَاءِ النَّسَبِ، وإن لم يَثْبُت النَّسَبُ بذلك الطريق في الإِسلام.
قوله:(عبد بن زَمْعَةَ)، هكذا في عامة النسخ - بحذف همزة الإِبن - وعليه الاعتماد، وفي بعضها بإِثباتها، والظاهر أنه عطفُ بيانٍ لا خبر مبتدأ، أي هو ابن زَمْعَةَ.
(أنواع الفراش عند الحنفية)
قوله:(الوَلَدُ للفِرَاشِ)، والفراشُ عند الحنفية على ثلاثة أنحاءٍ: قويٌّ، ومتوسِّطٌ، وضعيفٌ. فالقويُّ ما يَثْبُتُ فيه النَّسَبُ من غير دعوةٍ، ولا يَنْتَفي بالنفي إلا بعد اللِّعان. والمتوسِّطُ ما لا يحتاج لثبوت النَّسَبِ إلى دعوةٍ مع انتفائه بالنفي بدون اللِّعان. والضعيفُ ما لا يَثْبُتُ فيه النَّسَبُ بدون دعوةٍ، وينتفي بالنفي، ولكن يَجِبُ على المولى دِيَانةً أن يدَّعي نَسَبَهُ إذا عَلِمَ أنه منه. والأول: فراشُ المنكوحة، والثاني: فراش أم الولد، والثالث: فراش الأَمَةِ. وقالوا: إن نَفْسَ النكاح في المنكوحات فِرَاشٌ، فكأن الفِرَاشَ عندهم صار عَلَمًا للنكاح.
ويَلْزَمُ عليهم إثبات النَّسَبِ فيما إذا نَكَحَ المغربيُّ مشرقيةً، ولم يُفَارِق واحدٌ منهما مكانه، ثم أَتَتْ بولدٍ لستة أشهرٍ مع عدم إمكان العُلُوق منه، وهم يَلْتَزِمُونه. وذلك لأن ثبوتَ النَّسَبِ يُبْنَى على ثبوت الفِرَاشِ بالنصِّ، وهو النكاحُ. فإذا ثَبَتَ النكاحُ، وأتت بولدٍ في مدَّةٍ يَحْتَمِلُ أن يكونَ منه، يَلْزَمُهُ نَسَبُهُ لأجل الفِرَاشِ. واستبعد الشافعيةُ، مع أنهم أقرّوا بأن المنكوحة تَصِيرُ فِرَاشًا بمجرد عقد النِّكاح، ولكنهم شَرَطُوا إمكان الوَطْء، أيضًا بعد ثبوت الفِرَاش. فإن لم يُمْكِنْ، كما في الصورة المذكورة، لم يُلْحِقُوا نَسَبَهُ منه لعدم إمكان كونه منه.
والحديثُ حُجَّةٌ لنا، لأنه جَعَلَ النَّسَبَ تابعًا للفِرَاش، وهو مُقْتَضَى العقل والنقل. أمَّا النقلُ، فكما عَلِمْتَ. وأما العقلُ، فلأنه ليس على القاضي أن يُحَقِّقَ إمكان المخالطة بين الزوجين. أمَّا النكاح، فمبناه على الإِعلان، فلا عُسْرَ في تحقيقه، بخلاف المخالطة، فإن مبناه على السرِّ، وليس عليه تحقيق تلك الأشياء التي قد لا يَطَّلِعُ عليه خواصُّ أهل البيت أيضًا. ثم إنه ماذا يكون باشتراط الإِمكان، لاحتمال أن يكونا التقيا في محلَ، ثم لم يُجَامِعْهَا الزوجُ، وأَتَتْ بولدٍ في تلك المدَّة، أو جامعها ولم تَحْمِلْ منه، وزَنَتْ - والعياذ بالله - وعَلِقَت منه.
فهذه الاحتمالات لا تَنْقَطِعُ أبدًا، وإن تفاوتت قوَّةً وضعفًا. فالذي يَدُور عليه أمر النَّسبِ هو الفراشُ. وليس على القاضي أن يتجسَّسَ سرائر الناس. ثم إنهم غَفَلُوا عن بابٍ آخر. ولو نَظَرُوا إليه لَمَا كان لهم فيه محل استبعادٍ، وهو: أن الشرعَ أَوْجَبَ على الزوج أن يُلاعِنَ امرأته إذا عَلِمَ أن حملَها ليس منه، فَوَجَبَ عليه اللعان في الصورة المذكورة. وإذا شدَّد فيه على الزوج من جانبٍ، خفَّف في ثبوت النَّسَبِ - لأجل الفراش - من جانبٍ آخر.
وما أحكم وأحسن هذه الوتيرة، لو كانوا يفقهون. فإن الحنفية لمَّا رأوا أن الشرعَ قد راعى هذا الجانب في بابٍ آخرَ بنفسه، لم يَزِيدُوا قيدًا آخر من عند أنفسهم، لأنه يُوجِبُ هَدْرَ هذا الباب. وبعبارةٍ أخرى: إن النَّسَبَ في الصورة المذكورة لا يَثْبُتُ عندنا أيضًا، إلا أن نفْيه عند الشافعية لانتفاء شرط الإِمكان، وعندنا لوجوب اللِّعان، فينتفي منه بعد لِعَانِهِ. فإذا تَرَكَ الزوجُ ما