بخلاف قوله: "فإنه يراك" فإِنه ليس فيه من صفته شيئًا، ولكنه علمٌ وعقيدة بأن الله يراه وبعد غلبته وأن تصير حالًا، لكنه مع هذا يكون أقرب من العلم. والمعنى أن الحالةَ الأولى إن فاتت عنك فلا تَفت عنك الثانية، فهاتان حالتان مطلوبتان، وإن كانت الأولى أرفع، من الثانية، فإن الأولى حال يدل على كمال الاستغراق، بخلاف الثانية فإنها أقربُ من العلم والعلم أدون من الحال، لأنك قد سمعت منا أن العلم إنما يكون حالًا بعد رسوخه، وصيرورته صفةً للنفس. وإنما قدَّر في المعطوف قوله: "وهو يراك" إشارة إلى أن ذلك أمرٌ لا مناص عنه، ففي الحالة الأولى استحضار لرؤيته إياه مع علمه بكونه مشاهدًا لعبده. وفي الحالة الثانية استحضار لمشاهدته فقط، فتلك الحالة أقرب من العلم. وحاصل شرح النووي: أن الإحسان: هو العبادة بغاية الخشوع والخضوع، وهي التي تكون في حالة العيان، فاعبد ربك في جميع أحوالك كما كنت تعبده لو كنت تراه، فهذا هو المقصود، ثم الخشوع ومراعاةُ الآداب في حالة العِيان إنما يكون لعلم العبد أن الله مطلِعٌ عليه وُيبصرُه، وهذا المعنى موجودٌ مع عدم رؤية العبد، فإنه وإن لم يكن العبدُ يراه لكنه تعالى يراه، وحينئذٍ وجب عليك أن تستمرَ على عبادتِهِ بغاية الخشوعِ في جميع الأحوال، فإن موجبه وهو رؤيته تعالى متحقق في الأحوال كلها، فالمقصود ليس هو الانصباغ بتلك الحال، بل المقصود هو العبادة بهذة الجهة، فالجهة الأولى حال لكنها مفروضة مقدرة، ولذا قال: "كأنك تراه" ولم يقل: لأنك تراه. =