للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولي قصيدة بالفارسية في تمثل البرزخ والحشر وأطوار الوقائع، ومنها:

"منكشف آن جهان شود كرجه درين جهان بود

زندكى دكر جنان ذره بذره مو به مو

رهكذر نكه نه ديد ديده درين رهـ كذر -

درته خاك خفته جو دشت بدشت سو به سو

تانه شكست صورتي جلوه نزد حقيقتي -

قد ورها شدن ازورنك برنك بو ببو

ظاهر وباطن اندران هم جونوات ونخل دان

نى بعداد يك زدو جنب بجنب دو بدو"

(ولا تشرك به) فيه طردٌ وعكسٌ، أي إحاطة الكلام بطرفيه.

(ما الإحسان) قال الحافظ رحمه الله تعالى: وأشار في الجواب إلى حالتين: أرفعُها، أن يغلبَ عليه مشاهدة الحقِ بقلبه، حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله: (كأنك تراه) أي وهو يراك. والثانية: أن يستحضرَ أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل وهو قوله: (فإنه يراك).

وقال النووي: معناه إنك إنما تُراعي الآداب المذكورة إذا كنتَ تراه ويراك لكونه يراك، لا لكونك تراه، فهو دائمًا يراك، فأحسن عبادتَه، وإن لم تره، فتأويل الحديث: فإن لم تكن تَرَاه فاستمرَ على إحسانِ العبادة، فإنه يراك. انتهى ملخصًا (١).


(١) قلت: وقد تسلسل هذان الشرحان في الكتب، إلّا أنه لم يُنبِّه أحدٌ منهم على الفرق بينهما. وقد كان شيخي رحمه الله تعالى يفرِّق بينهما بعبارة وجيزة ما كنتُ أفهمُها إلى زمن طويل، فلم أزل أتفكرُ فيها وأراجع إليها مرة بعد مرة حتى ظننتُ أني قد فهمتُها، فحاصل الشرح الأول على ما فهمته من كلمات الشيخ رحمه الله تعالى: أن الإحسان ينقسم إلى حال، وعلم، فإن مشاهدةَ الحَق بقلبه كأنه يراهُ حال له، وصفة قائمة به، وليست علمًا.
بخلاف قوله: "فإنه يراك" فإِنه ليس فيه من صفته شيئًا، ولكنه علمٌ وعقيدة بأن الله يراه وبعد غلبته وأن تصير حالًا، لكنه مع هذا يكون أقرب من العلم.
والمعنى أن الحالةَ الأولى إن فاتت عنك فلا تَفت عنك الثانية، فهاتان حالتان مطلوبتان، وإن كانت الأولى أرفع، من الثانية، فإن الأولى حال يدل على كمال الاستغراق، بخلاف الثانية فإنها أقربُ من العلم والعلم أدون من الحال، لأنك قد سمعت منا أن العلم إنما يكون حالًا بعد رسوخه، وصيرورته صفةً للنفس. وإنما قدَّر في المعطوف قوله: "وهو يراك" إشارة إلى أن ذلك أمرٌ لا مناص عنه، ففي الحالة الأولى استحضار لرؤيته إياه مع علمه بكونه مشاهدًا لعبده. وفي الحالة الثانية استحضار لمشاهدته فقط، فتلك الحالة أقرب من العلم.
وحاصل شرح النووي: أن الإحسان: هو العبادة بغاية الخشوع والخضوع، وهي التي تكون في حالة العيان، فاعبد ربك في جميع أحوالك كما كنت تعبده لو كنت تراه، فهذا هو المقصود، ثم الخشوع ومراعاةُ الآداب في حالة العِيان إنما يكون لعلم العبد أن الله مطلِعٌ عليه وُيبصرُه، وهذا المعنى موجودٌ مع عدم رؤية العبد، فإنه وإن لم يكن العبدُ يراه لكنه تعالى يراه، وحينئذٍ وجب عليك أن تستمرَ على عبادتِهِ بغاية الخشوعِ في جميع الأحوال، فإن موجبه وهو رؤيته تعالى متحقق في الأحوال كلها، فالمقصود ليس هو الانصباغ بتلك الحال، بل المقصود هو العبادة بهذة الجهة، فالجهة الأولى حال لكنها مفروضة مقدرة، ولذا قال: "كأنك تراه" ولم يقل: لأنك تراه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>