(٢) ومن ههنا ظهر أن الشيخَ لم يجزم إلا بوجودِ العوالم التي ورد بها السمع: نعم قد جزم بتعدُّد الوجوداتِ لشيءٍ واحد، فإِنه أيضًا ثَبَت من الأحاديث، كما مرَّت شواهِدهُ في غيرِ واحدٍ من المواضع من هذا التقرير. أما كونُ تلك العوالِم سَبْعة، فإِنما هو اعتبارٌ منه على نحو اعتبار أرباب الحقائق، تمشيةً للمقام؛ فلذا فَوَّضه إلى الناظر، وهذا هو الحق، فإِن عددَ العوالم مما لا يدخلُ فيه القياس، فلا بدَّ له مِن دليل من جهةِ الشَّرْع ليجزم به، ومَنْ لا يمعن النَّظَر في مثل هذه المواضع يأخذ، ويعترض، وينكر، فافهم، وقد مرَّ في "باب العلم والعظة من كتاب العلم". (٣) قلت: والشيخُ لم يُرِد به التطبيقَ بين الشريعة، وما عندهم مِن مشاهداتهم، كيف! وأنَّهم يثبتون شيئًا اليوم، ثم ينكرونه غدًا؛ فهل يتبدَّل من ذلك إخبار الشَّرْع أيضًا؟ كلا، لا تبديلَ لكلمات الله، إنما أراد بذلك أنه ليس لإِنكار ما ثبت عند الشرع وَجْهٌ، فإِنَّه إذا ثبت نَحْوُه عندهم أيضًا: فلو ساغ لهم تَسْلِيمُه بعد مشاهدةِ أعْينَهم لساغ لنا أن نؤمن بما شاهدته أعينُ الرسل، أو أخبر به خالق السمواتِ والأَرْضين؛ نعم لو حَصَل التطبيقُ فلا بأس أيضًا، فإِنه يكونُ تشييدًا لمشاهدتِهم من جهة الشرع، لا أنه تَحْصُل قوةٌ في إخبار الشَّرْع، من بعد مشاهدتهم، والعياذ بالله، ومَنْ أَصدقُ مِن الله حديثًا؟!