قوله:(شاهداك (١) أو يمينه)، واعلم أن البخاري وافقنا في مسألة القضاء بالبينة، أو اليمين، ولا نجد في الحديث صورة ثالثة من القضاء بالشاهد واليمين للمدعي، كما ذهب إليه الشافعي. قوله:(شاهداك، أو يمينه) قال النحاة: إن - أو، وأما، وأم، لأحد الأمرين فتكون مانعة الجمع، ولم أجد عندهم لمانعة الخلو ذكرًا، أقول من عند نفسي: إنها تستعمل فيه أيضًا، وإن لم يذكروه، فتدخل هذه الحروف بين الانفصال مطلقًا، والسر فيه أن هذه الأحرف للترديد مطلقًا، سواء كان على طريق مانعة الجمع، أو مانعة الخلو، أو الانفصال الحقيقي، وحينئذٍ لو حملنا قوله:(شاهداك، أو يمينه) على مانعة الخلو، دل الحديث على الحصر بينهما، ونفى الصورة الثالثة، أي يكون لك شاهداك، أو يمينه فقط، ولا يكون لك أن تأتي بشاهد واحد، ثم تحلف عن شاهد آخر ليقضي لك بشاهد ويمين، والله تعالى أعلم.
ثم اعلم أن التعيين المدعي، والمدعى عليه عسير جدًا، وقد عينه صاحب "الهداية" شيئًا، ثم لم يتعين كما ينبغي، ولذا ترى الفقهاء يعينون المدعي والمدعى عليه في كل باب جزئيًا
(١) واعلم أن الشيخ قد تكلم على المسألة في مواضع ببيان شاف صاف، غير أني أردت الآن أن أهدي إليك بعض النقول؛ فاعلم أن العلامة المارديني أخرج طرق حديث القضاء باليمين مع الشاهد، وبسط الكلام فيها بما لا مزيد عليه، ثم تمسك لمذهبه بأمور. قال: وقد صح عن الزهري هي بدعة، وأول من قضى به معاوية، أخرجه من -المصنف لابن أبي شيبة- وقال: سنده على شرط مسلم، وفي مصنف عبد الرزاق: سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد، فقال: هذا شيء أحدثه الناس لا بد من شاهدين، وفي "الاستذكار" هو الأشهر عن الزهري، وفي "المحلى" لابن حزم أول من قضى به عبد الملك بن مروان، وأشار إلى إنكاره الحكم، وابن عتيبة؛ وروي عن عمر بن عبد العزيز الرجوع إلى ترك القضاء به، لأنه وجد أهل الشام على خلافه، ومنع منه ابن شبرمة، وفي "التمهيد" تركه يحيى بن يحيى بالاندلس، وزعم أنه لم ير الليث بن سعد يفتي به، ولا يذهب إليه، وقوله عليه السلام: في "الصحيحين" البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، وكذا قوله عليه السلام: شاهداك أو يمينه، مع ظاهر القرآن يؤيد ما قلنا، ثم ذكر تقرير الآية على ما هو المشهور، مع بعض جدة، ولا نطيل الكلام بذكره، هذا ملخص ما في "الجوهر النقي". ص ٢٥٠ - ج ٢.