للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نكاح المحارم. وراجع الطحاوي، ولا يُدْرَى ماذا أراد المصنِّفْ من زيادة العجم؟ إنْ أراد منهم الوثنيينَ ففيه دليلٌ على موافَقَةِ مذهب الإِمام، حيثُ تُؤخذ الجزيةُ عندنا منِ أهل الكتاب وغيرِهم من الكفار أيضًا، بخلاف الشافعي؛ وإنْ كان المرادُ منه أهلَ الكتاب منهم، فلا دليلَ فيه على ما قلنا، والمتبادر هو الأول، لأنه ذَكَرهم بعد اليهودِ والنَّصارى، وهم أهلُ كتاب. ثُم إنَّ عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نَزل مِن السماء يَضَع الجزيةَ، ويَرْفع هذا الشقِّ رأسًا.

ثُم اعلم أن الجزية إذا ضُربت بالموادَعة، فعلى ما وقعت عليه، وإنْ كان من جانب الأمير بدون الموادعة. فعلى التفصيل الذي ذُكر في الفقه.

٣١٥٦ - قوله: (فأتانا كتابُ (١) عمرَ بن الخطاب قَبْل موتِه: قَرَّقوا بين كُلِّ ذي مَحْرَم من المجوس) فكأَنَّه شَدَّد في أَمْرِ النِّكاح بين المحارم، ولم يتحمَّله ممن عقدَ معهم عَقْدَ الذِّمة أيضًا، حتى إنه خَيِّرهم بين أن يفارِقوا محارِمَهم، فيقرُّوا في دارِنا، أو يتحوَّلُوا إلي أيِّ جهة أرادوا، وذلك لشناعتهِ، وظهور بطلانه، لأنه ليس دينُ سماويُّ إلا وقد حرَّمه، وليس الغَرَضُ منه نَقْضَ عقدِ الذِّمَّة رأسًا، وإنما لم يَتْرُكْهم وما يدينونَ في هذا الجزء فقط، وإلا فَقد أَمَرنا بِتَرْك التعرُّضِ لهم في دينهم بعد الإِسلام، وإنْ ترافعوا (٢) إلينا نَحْكُم بينهم، كما في الإِسلام. وفي تخريج «الهداية» (٣) عن محمد ابن أبي بكر يَسْأل عليًا عن رجل مُسْلم زنى بذميِّةٍ، فكتب إليه: أن أرجُم المُسْلم، وسَلَّم الذميةَ إلى أهلِ الذمة ليقضُوا عليها ما عندهم مِن شَرْعِهم.

٣١٥٩ - قوله: (بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ في أَفْنَاء الأَمصار)، واعلم أنَّ فارس كانت تطلق في القديم على القرى الجنوبة، كإيران، وشيراز، وغيرها، وخلافها كانت تسمى بخراسان، ولسان


(١) هكذا في "البُخاري" لكن قال أبو عُبيد: ولا أراه كتبَ إلى جَزْء بن معاوَيةَ بما كتب من نهيهم عن الزَّمْرَمة، والتفريق بينهم، وبين حرائمهم إلَّا قبل أن يحدِّثه عبدُ الرحمن بن عَوْف بالحديث، فلما وجد الأثَر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتَّبعه، ولم يكتب في أَمْر بتفريق، ولا نهى عن زَمْزَمة، ثُم حدث عن عمرَ بن عبد العزيز أنه كتب إلى الحسن يَسْأله، ما بالُ من مضى عن أئمتنا قَبْلنا أقَرُّوا المجوسَ على نكاح الأمهاتِ، والبناتِ، اهـ مختصرًا، "كتاب الأموال"، ولكن راجع له "مُشكل الآثار" وقد نقلنا عبارَته في كلامنا في الجِزْية على المجوس، ويظهَر منه الجوابُ إن شاء الله تعالى.
(٢) أخرج الخَطَّابي عن عمرَ حديثَ نَهْيه عن الزمْزمة، والتفريق بين المحارِم في المجوس، ثم قال: ولم يَحْمِلهم عمرُ على هذه الأحكام فيما بينهم، وبين أنفسهم إذا خَلَوا، وإنما منعهم من إِظهارِ ذلك للمسلمين، وأهل الكتاب لا يكشِفون عن أمورِهم التي يتدينون بها، ويستعملونها فيما بينهم، إلا أن يترافعوا إلينا في الأحكامِ، فإِذا فعلوا ذلك، فإِنَّ على حاكِم المسلمين أن يَحْكم فيهم بحُكم الله المنزل، وإن كان ذلك في الأنكحة، فَرَّق بينهم وبين ذواتِ المحارم، كما يفعلُ ذلك في المسلمين. اهـ.
قلت: وليراجع معه كتاب "الأموال" ص. وقد نقلنا عبارته عن قريب، وكذا "مُشْكِل الآثار" وقد ذكرناه آنفًا في حاشيتنا في الجِزْية من المجوس.
(٣) قلت: وليمعَن النَّظر فيه أنه هل يفيدُنا في كونِ الإِسلام شَرْطًا في الإِحصان، خلافًا للشافعيِّ، وحجَّتُه أنه رَجَم اليهودي واليهودية وقد أجاب عنه الشيخُ بأحسنِ وَجْه فنذكره، وسيجيء في "كتاب التفسير" أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>