للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخِطَاب مكان الغيبة، أو أفراد الضمير مكان الجمع ونحوها. أمَّا الفَرْقَ بالمسائل فليس فى موضع منها، فإن القرآنَ نَزَلَ يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا، فلفظُ القراءة الشاذَّة يكون تابعًا للقراءة المتواترة، ولذا لا يَحْتَاجُ إلى النكات. وحينئذٍ لا بَأْسَ إن كان المرادُ من الإيمان في الشاذَّة الإيمان بالغيب، فإن الطَّائفتين من أهل الكتاب تَنْتَظِرَان نزوله عليه الصلاة والسلام، فَصَحَّ إيمانُهما به، بمعنى الإِيمان بالغيب، لا بمعنى العِبْرَةِ بِهما.

٣٤٤٩ - قوله: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ، وإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ)، والواو فيه حاليةٌ. والمُتَبَادَرُ منه الإِمام المهدي، فَسُمِّي إمامًا، وعيسى عليه السلام حكمًا وعَدْلًا. وحاصله: أنتم كيف تكونون حين يَنْزِلُ فيكم ابن مريم، وهو يكونُ فيكم حكمًا عَدْلًا. أمَّا الإِمامُ، فإنه لا يكونُ هو، ولكنه يكون أحدٌ غيره، ويكون ذلك الإِمامُ منكم، لا من بني إسرائيل. بخلاف عيسى عليه الصلاة والسلام. وقد اخْتَلَطَ فيه (١) بعضُ الرواة عند مسلم،


(١) يقولُ العبدُ الضعيفُ: وقد بَسَطَهُ الشيخُ في موضعٍ آخرَ، ومهَّد له مقدمةً نافعةً، يَنْحَلُّ بها كثيرٌ من الإِشكالات في باب الحديث، فلنقرِّرها أولًا، ثم لنُعَرِّجُ إلى بيان ما كنا بصدده:
فاعلم أن الرواة قد تكون عندهم أحاديث من بابٍ واحدٍ، وربَّما تكون متهافتةً متناقضةً بعضها ببعض، وذلك لأنهم قد لا يَبلُغُهُم الحديثَ بتمامه مثلًا، فَيَذكرون ما عندهم من قطعته، وكذا يَذْكُرُ الآخرُ قطعتَه الأخرى. وهكذا قد يَبلُغ أحدًا منهم لفظٌ، وآخرَ لفظٌ آخرٌ، ثُمَّ لا يكون لرواتها خبرٌ بما عند الآخر، فيأتي كلٍّ منهم بما عنده من الحديث، ولا يكون له بحثٌ عَما عند الآخر، فَيَتَنَاقَضُ الحديثُ الواحدُ لا محالة. فإذا جاء أحدٌ من العلماء بعدهم، ورأى الحديثين جميعًا، وَوَجَدَ أنهما يختلفان، ويتناقضان، وَجَبَ عليه أن يَطلُبَ لهما وجهًا، فإذا أَخرَجَ له وجهًا رأيته ربَّما يَلْتَئِم بألفاظ الحديثين، وربَّما يُخَالِفُهما. والسِّرُّ فيه: أن هذا التأويلَ لا يكون من جهة الرواة، بل قد لا يَخطُرُ ببالهم أيضًا، وإنما يكون من ثالثٍ. فإذا لم يَكُنْ ذلك منهم، لم يَجِبْ عليهم مراعاته في الألفاظ أيضًا، فيأتي كلٍّ منهم بلفظٍ يُوَافِقُ ما عنده من المعنى.
فإذا جاء محدِّثٌ متأخِّرٌ منهما، وابتغى للتوفيق صورةً من عنده، فقد تبقى منافرةُ الألفاظ والرِّكَّةُ، وعدمُ الملاءمة بحاله. ويشتدُّ ذلك على بعضهم، فيظنُّ كأنَّ هذا التأويلَ من جهة الرواة، وكأنَّهم أرادوا بذلك دفع التعارض بينهما من قِبَلِهم. وهذا خلافُ الواقع، فإنهم لا يَأْتُونَ إلَّا بما عندهم من الألفاظ، ولا تكون من نيَّتهم التوفيقُ أصلًا.
كيف وليس عندهم تعارضٌ، وإنما يَحْدُثُ التعارضُ عند المتأخِّر نظرًا إلى ألفاظ الحديثين. فحالُ المتأخِّر في هذا التوفيق، كحال المؤرِّخ يجمع قطعات القصة من مواضع عديدة، ثم يركِّب بينها تركيبًا من عنده، مع أنه لا يكون ذلك المرتَّب عند أحدٍ منهم، وإنما تكون عندهم قطعات منه، ويركِّبها هو من عنده.
فهكذا حال الأحاديث، جُمِعَت قطعات قطعات، فتكون قطعةٌ منه عند واحدٍ، وقطعةٌ أخرى عند آخر، وَيجْمَعُ بينهما المتأخِّر، فربَّما آتَتْ الألفاظ على وجه توفيقه، وربما تنافرت، ولا بدَّ منه. ومن أراد أن لا تبقى تلك المنافرةُ في موضع، فكأنَّه زَعَمَ أن هذا التطبيقَ كان من جهة الرواة، فأَوْجَبَ عليهم إخراج الألفاظ حسبه أيضًا، وهو باطلٌ قطعًا.
فَدَع الرواةَ على ما عندهم من غلطٍ، أو صوابٍ، فإن الرواةَ قد يَغلَطُون أيضًا، وابتغ أنت سبيلًا للتوفيق من نفسك. فإنَّ الحديثَ لم يُجْمَعْ على شاكلة التصنيف مرتَّبًا مهذَّبًا، ولكنه كان منتشرًا، فقطعةٌ عند هذا، وقطعةٌ عند هذا. فإن لم تكن عندك إلَّا قطعة منه تَقنَعُ بها لا محالة، وإن بَلَغَتْ إليك قطعة أخرى تُنَاقِضها أيضًا، وَجَبَ على نفسك أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>