للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعممها بعضهم وقالوا: إن المرئي هو النبي صلى الله عليه وسلّم في أي حلية كان إذا كان عنده أنه رآهُ، ولم يعتبروا المطابقةَ بين الحلية المرئية والحلية التي هي حليتُهُ. ولما ضيَّق الأولونَ في رؤيته وقيدوها بتقييداتٍ وسعَوا في اعتبار أقواله الحُلمية، بخلاف الجمهور فإنهم إذا وسَّعوا في أمر الرؤية ضيَّقوا في اعتبار تلك الأقوال، ولكنها تُعرضُ على الشريعة عند جميعهم، فإن وافقت قُبلتِ وإلا لا. وما ذكره النووي رحمه الله تعالى مضرٌ جدًا، لأن ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلّم به هو في رؤيته، ولم يخبرنا بأنه يقول له ويكلمه أيضًا، فما ثبتَ عنه يقظةً لا يُترك بما رئي منامًا.

وأيضًا النائم ليس على يقينٍ من كلامه ولا من كلام تلك الصورة المُرتبة، وليست تلك صورةٌ بصرية، بل رؤيا حُلمية، وأكثر الناس لا يعرفون حقيقتها، فلذا لا يجبُ الأخذ بها. ولكن إذا لم تخالف حكمًا ظاهرًا من الشرع حَسُن العملُ بها أدبًا مع صورته صلى الله عليه وسلّم أو مِثالها. ولا ندَّعي أنه قاله صلى الله عليه وسلّم في الواقع، ولا أنه خاطبه، ولا أنه انتقل من مكانه، ولا أنه أحاط علمه الشريف بذلك البتة، وإنما الله أراه إياهُ لحكمةٍ علمها. وراجع له «شرح منهاج السنة» للسبكي.

وفيه حكاية ذكرها الشيخ عبد الحق رحمه الله تعالى: أن رجلًا رأى النبي صلى الله عليه وسلّم في المنام يقول: اشرب الخمر، وكان الشيخ علي المتقي حيًا إذ ذاكَ وهو حنفي، شيخ لمحمد طاهر صاحب «مجمع البحار»، وهو أيضًا حنفي كما صرح به هو بنفسه في رسالة خطية، وسها مولانا عبد الحي رحمه الله تعالى حيث عده من الشافعية ومن مصنفات شيخه «كنز العمال» رتب فيه كتاب السيوطي رحمه الله تعالى «جمع الجوامع» - فأجابه: أن النبي صلى الله عليه وسلّم إنما قال: لا تشرب الخمر، ولكن الشيطان لَبَّس عليك، والنوم وقت اختلال الحواس. فإذا أمكن في اليقظة أن يسمعَ رجلٌ بخلاف ما قاله القائل لعلة في الخارج أو من جهته، ففي النوم أولى. والدليل عليه أنك تشرب الخمر، فأقر به، وقال: نعم إني أشرب الخمر.

وعندي أنه قال له: اشرب الخمر تعريضًا على حاله القبيح، ويفهم هذا المعنى من لهجة المتكلم وكيفية تكلمه، فاللفظ الواحد قد يكون لمعناه، وقد يكون للتعريض. ثم التعريض قد يكون قوليًا وقد يكون فعليًا، يُعرف ذلك بالقرائن. وقالت هذه الطائفة: إن الحلية تُنبىء عن حال الرائي، فإن كان حاله حسنًا يراه في حالة حسنة، وإلا ففي غير ذلك. وفيه أيضًا حكاية أن رجلًا رآه صلى الله عليه وسلّم وعلى رأسه القَلنسوة الإنكليزية، فاستوحش منه، وكتب إلى مولانا الكنكوهي رحمه الله تعالى، فكتب إليه أنه إشارة إلى غلبة النصرانية على دينه.

ثم التحقيقُ أن رؤيتَه صلى الله عليه وسلّم لا تتعين في رؤيةِ عين الذات المباركة، فإن الأحوال في رؤية الشخص مختلفة، فربما نرى شخصًا من الأحياء ولا يكون له علمٌ برؤيتنا ولو كان في المنام عين ما في الخارج لكان عنده شعور بها، فالمرئيُ إذًا والله تعالى أعلم قد يكونُ صورةً مخلوقة لله تعالى على مِثال تلك الصورة، أي أنه تعالى يخلق حقيقة على مثال صورتِهِ وروحانيته أرانا إياها وأوقع في نفسنا مخاطبتها إياها، وقد تكونُ روحه المباركة بنفسها مع البدن المثالي. ثم قد تكون يقظَةً أيضا كما أنها قد تكون منامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>