(٢) قلت: هذا آخر ما سمعت من شيخي رحمه الله تعالى في هذا الباب. وهو يُشعر أنه اختار مسلكَ ابن سيرين ومن نحا نحوه، ولم يُعمم أمرَ الرؤية، بل قصرها على مطابقتها بما في الخارج، ولذا احتاج إلى تأويل قوله: فإني أرى في كل صورة. وقد كنتُ كتبتُ عنه فيما مضى ما يُشعر بخلاف ذلك، وهو أن السؤال عن حليته ينبغي أن يقتصرَ على الزمان الذي كان فيه أحد ممن رآه - صلى الله عليه وسلم - حيًا كما في زمن الصحابة رضي الله عنهم، وأما إذا لم يكن بقي فيه واحد منهم فلا ينبغي السؤال عنها كما هو اليوم، وهكذا يفعلون أهل العرف في رؤياهم، فإذا رأيت رجلًا في المنام وقد بقي ممن رآه في حياته يسألونك أنَّك كيف رأيت صورته؟ فلو ذكرت ما خالف حليته يكذبونك ويقولون: إنك ما رأيته، لأنه لم يكن على تلك الحلية. وأما إذا مضى عليه، برهة من الزمان ولم يبق لأحدٍ ممن رآه فلا يبحثون عن حليته، وهكذا ينبغي، فإن المنازعة إنما تكونُ ممن كان رآه، وأما إذا انقطع أثرُه وذهب ذِكره وفِكره فلا يمكن المنازعة، ويحتاج إلى تصديق رؤياه إلى شهادة قلبه فقط، فإذا ألقى في قلبه أنه رأى فلانًا فإنّه كذلك، ولو خالفت حليته مما في الخارج، فكذلك ينبغي رؤيته النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يُسأل عن حليته اليوم، لأنه لم يبق من الصحابة رضي الله عنهم ولا من رآهم ورأى من رآهم أحد، فمن الباحث عن الحلبة إنما هو شهادة القلب وبُشرى المؤمن، فتحقيقه هذا يعلُق بالقلب ويثلج به الصدر، إلّا أنه فيما أفهم راجعٌ إلى المذهب الثاني أو أمر بين الأمرين.